قصة قصيرة همسة على الرصيف : حسن شوتام
لشدّ ما أنت بائسة عزيزتي.. الحبيب الذي نام في
حضنك أوّل أمس كطفل راجف، يقف الآن في الطرف الآخر من الشارع؛ ربّ أسرة حُمّل نهارا
من السعي و قائمة طويلة من الطلبات. هي الخيمة، العِماد و أمّ الأولاد.. الأوتاد الرّاسخة
في أرضه.. الصاخبة في أعماقه كلّما غيّبته عنهم المسافات. لهم الحق، كل الحق في طلبه
واستحضاره بقوة الشرع و سلطة القوانين ونداء السر الثابت.. سر العودة المحفوظ في القرار
المكين! أما أنت فوضعك بائس يدعو للشّفقة و الرثاء. تبدين
بفستانك الطويل ووقفتك الجامدة المنضبطة على الرصيف نظير إحدى قريباته أو ابنة أحد
أصدقائه و قد رافقها لتدفع وثائق و رسوم التسجيل في الجامعة لأوّل مرّة! لِم أذعنت لشروطه؟ كيف وافقتِ على أن يكون لك في السّر فقط؟ في العلن-
ونادرا ما يحدث ذلك- عليكِ بمسافة أمان كافية وواقية من حوادث التأويل.. في العلن عليك
بسمت الجدّ و الرزانة مع تعزيزه بأصيل اللباس أطوله.. في العلن و إبان نزول أمطار غير
متوقعة؛ تحرصين أشد الحرص على فتح جميع المظلات المنمّقة بألوان من الأكاذيب و المعاذير
و التعلاّت! في العلن؛ عليك بفعل هذا وترك ذاك حفاظا على سرية العلاقة.. غبية.. قرارك
الاستمرار في هذه اللعبة لم يكن أبدا مبنيا على التفكير الدقيق! لاحظي كيف يستعرض أمامك
في صفاقة و دون تقدير لمشاعرك سُلّم أولوياته: يُسدّد احتياجات العائلة أوّلا؛ فيختار
لكل فرد فيها من الطعام و اللباس و الشراب أجوده. لا يكاد البائع يفرغ من تغليف رِزمة
مشتريات حتى يبسط قدامه حبيبك بضاعة أخرى و أشياء أخرى تعرفين تماما الهرش الذي تُحدثه
في ثنايا ذاكرتك و لربما في خندق ما من جسدك! هرش لا تُخطئين أبدا مخالبه التي طالت
طفولتك و أنوثتك في غفلة من الأهل!سيرتفع صدرك تنهّدا و يشرع قلبك
في البكاء.. لو كان على بعد ذراع منك اللحظة لارتميت في صحرائه بحثا عن قطرة ماء..
أتدرين؟ تَحضُرين تبضّعه الشهري فقط لترقبيه و هو يوزّع حنانه الأبوي و كأنك زُوّدتِ
بشعيرات دقيقة تلتقط دبيبه الأبوي ذاك.. تمنيتِ طفلتي غير مرّة أن يخصّص رزمة لك أو
أي شيء بسيط آخر.. المهم أن تكوني حاضرة هناك وسط مشغولياته الأسرية.. أن لا يُسقطك
من ذاكرته مثلما فعلوا بك عندما افتضح أمر عذريتك فصرتِ من ساعتها نسيا منسيا.. تمنيت
ذلك غير مرة صغيرتي لكن لم يحدث ذلك و لا مرّة.. تُنفقين في نهاية طقسه الشهري انتظارك
و صبرك و دمك دون أن تغنمي من الجولة بشيء.. أتدرين؟ أنت العشيقة و حبيبك معكِ ما برحتِ معه خليلة صامتة تُجدّد طاقته..
تُجدّد طاقته فحسب! يعلو صدرك و يضيق نفسك لهذه الحقيقة..حسنا تفعلين لو أرخيت قليلا
من التفاف الشال حول عنقك.. حسنا تفعلين لو أسبلت شعرك من تحت القماش الحريري على رأسك
و انطلقت.. أميرة تلتحف الشمس.. تنتعل الحرية.. الحرية..الحرية..
حسن شوتام
25 يوليوز2014
0 التعليقات:
إرسال تعليق