السبت، 21 يونيو 2014

بلهوان : مبارك ربيع

بلهوان : مبارك ربيع
انحناءة خط شبه دائرية ملتوية بغير انتظام حول العين اليسرى، شاملة جزءاً من منطقة الخد لا كلها، لونها الأبيض الخالص بالصابغ الثخين؛ بالصابغ نفسه حول ناظر العين شبه ظل أسود، تبرز منه الأشفار نابتة مكبرة بصابغ ولاصق، هكذا يبدو المشهد: بؤبؤ أحمر بلون دموي طبيعي، يغذي بروزه خليط ما حوله من صوابغ لون؛ البؤبؤ الأحمر مرعب بالطبيعة، فُلان عينه حمراء، معناها الشراسة وصعوبة المراس، بل والعزم على شئ، التكتم العازم على شر... الطريق شبه سيار، والمقطع بين مسافات متباعدة لتجمعات شبه قروية على الجادة، موقف استراحة لمن يشاء؛ وكيف لا يشاء من يقطع مسافات في قفر قاحل إلا من أزيز ما يتحرك على جانبي الطريق في اتجاهين متعاكسين من ثقيل وخفيف؟ تبدو السقيفة من سعف النخيل وما شابه من قش، إلا أنها تهب الظل لمن يشاء في وقفة لارتواء أو سد رمق بما تيسر، قنينات ماء ومشروبات باردة، كؤوس شاي حارة وسط حر يقال إنه مخفف للحرارة عكس البارد، على قياس العلاج بالكي أو داوني بالتي هي... ولا يدفع الضر إلا ضر مثله... المارة المسافرون ما بين متوقف لتوه ومغادر لتوه، في حركة مستمرة ما بين حل وترحال بالموقع، بعض صبية يتنقلون بخفة ودربة بالطلبات، ما بين المقتعدين إلى ما يشبه طاولات والواقفين حيثما وكيفما تيسر، عيون أكلها القيظ ومسام لا تسعف بتنفس مريح، هدوء كيانات لاهثة تنشد عزيز نسمات ممانعة، عربات تهدر وأخرى تهمد بأحجام وأشكال متفاوتة الدرجات يغلب عليها طابع البلى، حافلات، شاحنات سلع وبضائع، ناقلات تجهيزات ومؤن، عربات خصوصية لأفراد وعائلات تقف حيث ما تيسر بغير انتظام أمام الموقع يشملها جميعاً كساء الغبار، طريق متصحر أشبه بفلاة، كل ما فيه لاهث بفعل قيظ ومسافة... الصبية يتنقلون بالمطلوبات إلى أصحابها، ومنهم الملتفون حول بؤرة المحل حيث صاحبه الثخين القاعد إلى صندوق حساباته، قرب مزود الطلبات من مبرد وساخن مأكول ومشروب...
تتوقف عجلة موتوسيكل، يوافق وصولها فترة همود قابلة للانتقاض بحركة وافد أو مغادر من عربات، غرغرة الموتوسيكل يمتلك صوت محركها المتقطع المبحوح فضاء الهدير الهامد، تدار باتجاهها أعناق ووجوه بلا انتباه، صوتها لاهث كراكبها الذي يظل لبرهة غير يسيرة، في وقفة وامتطاء مقتعداً سرجها بهيكل مكتنز قصير، يداه على المقود وصفحتا القدمين على الأرض تدعمان الوقفة، ينظر حوله في تطلع بارد، لا يُرى لعينيه لون ولا لنظرته، يقول أحدهم مجيباً عن تساؤل ومشيراً إلى خرطوش الرصاص المرصع لحزام الشخص فوق لباسه البلدي والبندقية الزوجية على كتفيه، فاغرة فوهتيها باتجاه السماء: هذا طالب ثأر أو مطلوب...
الحاجبان مغلظان بأثخن ثقيل لون فاحم السواد، يحيط بحافتيهما خط بياض متصل أقل ثخانة، يشملهما من أقصى طرف يمين إلى أقصى طرف يسار، منحنياً بالتواءة خفيفة تشي بمفرق الحاجبين أو بموصلهما على الأصح، ما داما غير مفترقين، ليواصل دورته حولهما من أعلى ومن أسفل، بلا انقطاع سوى الالتواءة الخفيفة من أسفل، مناظرة لأختها السابقة من أعلى... عينه كحْلة وحاجبه خروبي كما تقول الأغنية... سيدي محمد يا مرويد عينيا... وإذا جربْت وظيفة الحاجب فتأملْ تجمُّع العرق على الجبهة وانسياب سائله المالح الذي يلهب بؤبؤ العين، لولا وظيفة الحاجب المانع؛ أما عندما تغمز لحسناء بطرف العين غمزة ماهر خفيفة، لا تلك الثقيلة العريضة الفاضحة، فالحاجب يغطي الإيماءة ويتيح لرسالة الوله المغري عبر النظرة اللامحة، ظلا يمنحها أماناً ويزيدها انقداحاً... 
انحناء خط مغلق كمثري الشكل حول العين اليمنى يشمل الخد وأسفله، على نحو يجعل استدقاق الرأس الكمثري يغيب تحت الذقن، الصابغ الثقيل للبقعة أبيض يخترقه قوس سواد في منتصف البقعة الكمثرية، والعين هنا بلا أشفار تقريباً، لا يبرزها شئ؛ وتظليل البياض المكثف حولها، يجعلها غائبة أو كالغائبة عكس جارتها (الحمراء) كما يراد بقصد أو صدفة، انكسارة عين جافة بلا دمع؛ القلوب تبكي قبل العين دائماً كما يقول بعضهم، الدمع ذاته قد يكون ... وقد يكون... أما القلب الباطن فديدنه الصدق؛ قالت في انكسار نظرة وهي تبحث عن عبارة وداع لا تسعف، متكئة على أي شئ يسندها، رباه إنها تتحامل، توشك أن تسقط وتكاد تخونها الدموع، ليستشعر مثلها بانكسار مماثل ودموع تكاد بدورها... إلا أنه يتحامل، ويغادر قلبُه الصادق في طريقه ليخفق لغيرها، بينما تنظر إلى ساعتها، يداهمها قرب موعد مع آخر...
بقية ما بين الخدين أرضية لكل لون، منطقة لامعبرة مساعدة في إبراز ما حولها، دهانها مزيج بلا هوية: أبيض في أسود في أحمر على زعفراني غامق وأديمي... قال إنه يعرف صديقاً فناناً، له مكانة ومقام في التشكيل، جلستهما كانت هانئة لمجرد نجوى وإيناس، مجرد اثنين صديقين أليفين، صنعا لنفسيهما لحظة هناء وشراب، هكذا يحدث بدون امرأة بينهما كما قد يقتضي المقام أو يتبادر للذهن، مع أن المرأة أو نساء العالم كلهن حاضرات في الحديث، لا يجتمع رجلان إلا والمرأة حديثهما... ولا امراتان إلا والرجل... مفهوم !؟ يعبر االحديث بينهما من قارة في المرأة إلى أخرى وغير المرأة... ليقوم الصديق الفنان ساحباً وراءه صديقه باتجاه الشرفة، يريه شيئاً... امرأة؟ يُنزل الصديق ستائر الشرفة الثخينة... مشهد إذن سري للغاية أو سري بالكامل؟ يأخذ الصديق قطعة قماش بيضاء يثبتها على الجدار... عرض شريط فيديو فاضح؟ يسعى إلى ركن يجلب قوارير وأحقاقاً وريشات ... آه  لعلها...؟ يُطفأ النور، يلف الظلام، حركة تملأ الفضاء، شئ كرائحة الجهد أو صوته، بعض قعقعة خشخشة وكشط، هنيهات فصل ووصل، يعاود الجهد ليعاود وأنفاس الحركة... خشخشة وكشط ونأمات ارتطام لين، بسطح ألين؛ هنيهات فصل ووصل، ليعاود كل شئ من جديد، ويفاجئ غمر النور من جديد... لا شئء، قبل أن تفك العين إسارها من سابق ظلمة إلى طلاقة نور... الصديق مبرقع بالأصباغ مبقع... ماذا؟ لكنه لا يرد، وإنما يشير إلى أنه فعلها... فعلها... يلمّح إلى القماش على الجدار... تنجلي... معركة أصباغ في بقاع وخطوط متراكبة متقاطعة على فضاءات ولافراغات بينها؛ في غمرة اندهاش يأخذ الصديق ريشة رقيقة ينتحي ركن القماش أسفله، يوقع باسمه ويؤرخ؛ أغلى لوحة أنجزها في حياته، وما تزال إلى اليوم تزين مدخل إدارة الثقافة والفنون...
الأنف، قصبة الأنف حمّالة كبرياء وفخار، أزرق فاتح على استقامة القصبة إلى الأرنبة، وأزرق ليلي غامق، يشمل الحافتين المائلتين على امتداد الخدين، يحدهما خط رقيق أبيض يزيد من بروز القصبة وتظليل الحافتين... حمّالة لاشئ هذه القصبة، وتنتهي بالأرنبة تلك النقطة المعقوفة العلية على مقام القصبة، حمّالة الدلالة الحقيقية لكل موروث، لأمر ما جذع قصير أنفه، تقول الحكاية والدرس الأخلاقي لمنتهى مضمون الحذق والمكر؛ نقطة قمة لا أعلى منها ولا أبرز في الوجه بكامله لغاية حيوية ووظيفة، قبل أن يحولوها إلى معنى... ثمرة طماطم حمراء قانية، تماماً كتلك التي تجاوزت أوان نضجها وفات، إنما تكون على بعض صلابة واكتناز، في الواقع يجب أن تكون على شئ من فساد، لكي تنضغط متركبة على غضروف الأرنبة، وتبقى نقطة قمة مشعة ينخرها الفساد، تحت نارية اللون الوهاج...
الذقن... لون كل الألوان فاقعاً ناصعاً، الحرباء أحسن دليل على فاعليته في كل الأوساط والبيئات، لا داعي لغمس الفرشاة في هذا بعد ذاك، أو ذاك بعد هذا، فكله سواء والوظيفة واحدة، ان تتحرك عمودياً علامة الموافقة وأفقيا علامة النفي الموافقة أيضاً ودائماً، العبرة بالخواتم، وكلها حسب المحاباة والمصلحة بضبط وقياس؛ الطماع يؤخذ من لحيته ويقولون منها يُجر العبد إلى النار جزاء فعله أو لافعله؛ وفي الأثر غير الصحيح أن ما يميز بني آدم عن العنز أو ما يقرب بينهما هو اللحية، وقيل إن العنز أصله آدمي مُسخ، وظلت اللحية مكانها تحيل إلى الأصل...
الفم مدخل الجنة والنار دنيا وآخرة، موطن أحد الأصغرين... قيل للجمل في عراء محيطه وطبيعته: بم وكيف استطعت أكل الشوك: باللسان الرطب قال ! الساتر شفتان ما دامتا مزمومتين: الفم المزموم ما تدخله ذبانة، مفتاح الجحيم ومغلاقه، وانظر حولك في الثروات المهدورة هذراً على امتداد اللحظات، على ذبذبات الخليوي كل بما فوق طاقته، من كان يقدر أن الهذر السخيف الأسخف مما يقال له كلام، يقابل كل هذه الثروات الطائلة المتراكمة باستمرار دون توقف للحظة واحدة من ليل أو نهار؟ أين كانت كل هذه الثروات مخبوءة حتى لدى أفقر الناس والمتسولين، باعتبار الفئة الأخيرة ليست بالضرورة أفقر البشر... اللون ناري ناري ناري حول الشفتين، بحاشية غليظة تجعل منهما بالفعل باب كهف بلا قعر، تحيط بهما الحاشية الغليظة بخط غليظ أبيض، ربما يشير إلى أن الوظيفة قد لا تخلو من طهارة حيناً بعد آخر، دون أن يعني ذلك في شئ خروجاً عن الأصول في وظيفة الخازن البواب، ويبقى أحد الأصغرين ذاك الرطب المرن آكل الأشواك الجملية، يرتع بلونه الطبيعي في الضوء والعتمة، ما بين انفتاح وانغلاق، أوْ... لم لا طليُه بقطران أسود بعد خلطه بلاصق مضاد للرطوبة المستمرة على اللسان ومحيطه، إنما حالك سواد في قعر مظلم ما بين انفتاح وانغلاق، تشع فيه وحدها منشارية أسنان بلونها الطبيعي، إلا أن يضاف إليها لمع معدن خسيس، قد تكون سابقة في الخاصية اللونية... لم لا... وإلا...؟
الجبهة تلك الصفحة العريضة، عريضة بني أدم بأعماله وفعاله، تعرض صحيفة المرء باستقلال عن إرادته منشورة على فساحة أو ضيق الجبهة، لولا أنها لا تنطق ولا من يحسن قراءتها، فيحل الصمم والعمى بالطبيعة؛ اللون واضح فصيح يغممه الجهل بالشفرة والحبر الفطري السري، طبقة بياض رقيقة تخالطها الدكنة، على أن تبرز حاشية الناصية بخط سواد رقيق، يحف منابت الشعر، يتدلى ملتوياً يلتقي بآخر خط البداية لمحيط البقعة العينية من ناحية الأذن من جهة، بينما طرف الجهة الأخرى بخلاف ذلك، أي بعدم مراعاة التناظرية في الأبعاد والالتواءات، ليقرأ كل شئ حسب هواه...
الكل الآن في تمامه دون الكمال، ليبقى إدماج أصبعين من مادة ما بلونين مختلفين، كل في إحدى فتحتي الأنف، دليلا على طلب التهوية خارج هذا الكون، وعلى الهامة لتغطية الرأس طربوش مخروطي، بفصاحة كل من ألوان هذا الخليط، إنما بلا وصل ولا مزج ولا تركيب ولا وحدة اتجاه، دليلا على ما يموج تحت قنة الشعر، من أفكار هجينة أو أصيلة في فطريتها، وكلها حبيسة المحيط والتغطية...
الكل الآن في تمام وكمال، تقول ذلك المرآة نفسها، ولا يكاد ينقص شئ لتبدأ الفرجة والجمهور قابلية مطلقة للتجمع والهذر، فقط لمسة خفيفة نازلة بخط لون ماتي على حافتي الفم، وأخرى بحذاء النظرة، ليشير الكائن إلى ابتهاج أبله أو عبوس قانط؟ ابتهاج أم عبوس، عبوس أم ابتهاج، بله أم تيقظ؟

تمتد اليد جانباً حيث قناع بلاستيكي بابتهاج، وآخر بقنوط، ثالث بغضب، رابع برجاء... هذا... أم ذاك؟ تركب اليد قناعاً أول على ملون الوجه، ثم ببعض تردد تركب الآخر فوقه وآخر...

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 http://www.middle-east-online.com/?id=261035













 http://middle-east-online.com/?id=260883

Sample Video Widget