الاثنين، 26 يناير 2015

أبو نواس مرشحا : قصة قصيرة حسن الرموتي

  
أبو نواس مرشحا : قصة قصيرة حسن الرموتي 
قادتني قدماي إلى أسواق بغداد و دكاكينها ، كنت في حاجة  إلى الترويح عن النفس بعد يوم طويل من العمل في حدائق  القصر . في شارع المتنبي حيث مقر البعثات الدبلوماسية لبلاد الهند و السند  وفارس غيرها من الأجناس ... دلفت لحانة – حانة طرفة كما هو مكتوب على اللافتة و بخط مغربي جميل - باحثا عن أبي نواس ، دلني الساقي بحركة من رأسه وجدته غارقا بين قنينات ، طلبت من الساقي أن يعدها و يجمعها من أمامه ، نفتحه عشرين دينارا . جلست إلى صديقي أبي نواس فقد درسنا معا في الكتّاب  منذ سنوات  ، ذهب هو إلى البصرة حيث درس القانون الدستوري  بينما تابعت انأ دراستي في الكوفة  في فن البستنة و علم النبات . اشتغلت بقصر الخليفة هارون الرشيد  بعد وساطة و رشاوى .  ورغم اختلافنا ظلت الصداقة متينة بيننا ...سألته عن رغبته في الترشح للانتخابات المقبلة ... صدرت عنه قهقهة كبيرة ملأت أرجاء الحانة ثم رأيت دمعتين حارقتين تتسللان من مقلتيه . حاول أن ينهض من مكانه فلم يستطع . أشار للساقي بعلامة النصر ، عرفت انه طلب جعتين باردتين .. فالحرارة في شارع المتنبي كانت لافحة .. و حرارة الانتخابات المقبلة تنبئ بصراع  محتدم ، خاصة  ، بعد أن أسس فقهاء المساجد  حزبا جديدا أسموه حزب الزيادة و الترضية  بمباركة  من هارون الرشيد ...قلت لأبي نواس إن الحزب الجديد سيحصل  على اغلب المقاعد ، فلماذا لا تترشح باسمه في مقاطعة من ضواحي بغداد و أنت  من فقهاء القانون الدستوري في هذا البلد ... ابتسم أبو نواس حتى ظهرت قواطعه البيضاء مثل حبات الفول رغم إدمانه ، فقد كان كثير الاستعمال لعود عرق السوس المجلوب من بلاد المغرب ، وأمنية أبو نواس أن يزور المغرب الذي سمع عنه الكثير  .. ربّت على كتفي و قال : أنا لا أحب الكذب يا صاح أحب أن أكون ماجنا و سكيرا على أن أكون بهلوانيا في مجال السياسة .ثم قال : ما معنى حزب الزيادة و الترضية ؟، لم أسمع بمثل هذا الحزب ، أعرف حزب الحشاشين  وحزب القرامطة و البرامكة و حزب الصعاليك الجدد  ..و هو الحزب الأقرب إلى نفسي ، قلت له مبتسما : حزب الزيادة والترضية يعني أولا ، زيادة في سواد الأمة ، حتى يفتخر بنا رسولنا الأعظم و على العموم الزيادة في كل شيء ، ومن له القدرة على الإضافة ، فليضف ما شاء ، كما هو الحال في أسواق بغداد هذه الأيام .و الترضية معناها ترضية النفس بما يليق بها من الشهوات و ترضية المقربين  وقهر البسطاء لأنهم عالة ...فجأة انتبهت أني أتكلم بصوت مسموع .. فقلت له : إن بالحانة مخبرين ، ابتسم و أشار إلى أحدهم يجلس منزويا و قال : هو مراقب الحي هنا في بغداد لن يستطيع أن يقول شيئا خوفا من هجائي  . قريبا منى رأيت شخصين يحييان أبا نواس  من بعيد ..
وحين سألته عنهما قال : هما والبة بن حباب و حماد عجرد . سأل أبو نواس الساقي المزيد من الجعات لكنه رفض ، مذكرا إياه بالقانون  المسموح بعدد القنينات في البلاد .. امتثل للأمر ..خرجنا من الحانة ، كان الليل في منتصفه ، و شوارع بغداد خالية إلا من ثلة من شباب يسمرون و ينشدون شعرا ..بدأ أبو نواس بدوره ينشد شعرا ، كنت أرهف السمع إليه حتى ذكر اسم جنان  ، قلت له من تكون جنان هذه ؟ التفت إليّ و ضرب على صدره  مكان القلب تماما و قال : هي كل شيء ...كيف الوصول إليها ؟ صمتت ، لا أريد أن أقلب مواجع الرجل . سرنا على ضوء المشاعل المتوهجة التي تضيء الشارع دون خوف ،لأن الناس في مملكة الرشيد تخاف من ظلها  . قلت  له من جديد  ، ما رأيك في ما طرحته عليك ، الانتخابات هي فرصة  لك ، و الوصول حتى لمعشوقة الفؤاد  جنان هذه ، التي أضنت قلبك . المال و السلطة تأتيان بالمستحيل . نظر إليّ  ثم تقدم نحو الحائط الذي  رسمت عليه صور المرشحين لفنان من بلاد فارس ، رسوم لوجوه الشعراء و الفقهاء و الكتبة  ولصوص بغداد و أرقامهم  و برامجهم الانتخابية...فك أزرار سرواله الفضفاض و افرغ متانته ملتفتا خوفا من عسس الخليفة هارون الرشيد . ثم أطلق قهقهة تردد صداها في الشارع الخال من المارة ...سألته  عمّا يقولونه  حول توبته ، ابتسم ثم اقترب مني كما لو كان يخاف أن يسمعه أحد و قال : ماذا فعلت لأتوب ؟ ، حين يتوب اللصوص و القتلة  وتجار الدين و فقهاء الخليفة و غيرهم ، عندئذ أفكر في ترك هذه الحانات المنتشرة في بغداد ، و سأرحل إلى البادية أو الصحراء حيث الصفاء و المرؤوة ...فقط أريد أن تكون معي جنان ..تحسس أبو نواس جيب معطفه من نوع ترواكار الصوفي المصنوع ببلاد الهند  وقال : الليل مازال طويلا ، لكن الساقي منحني خفية لترا من النبيذ الصبوح التي تكلم عنها عمرو بن كلثوم مقابل دينارين و هي مهربة من بلاد الأنوار ... و هكذا ترى أن كل شيء في هذه البلاد يمكن أن يباع و يشترى ، أخرج القنينة   تأملها على ضوء مشعل قريب وقال : حتى العسس يمكن أن يشتروا فقط ببيت شعر ..  فماذا تبقى في هذه البلاد التي تبيع كل شيء ...طأطأت رأسي خجلا ، سرت دون أن أنبس ببنت شفة ..سرنا نحو البيت الذي يكتريه أبو نواس بعد أن أقتنينا طعاما من محل المكدونالد  الذي ما زال مفتوحا  لأنه من أملاك الخليفة ، سمعت وقع خطوات تتعقبنا ، قال لي أبو نواس ، لا تخف ، هما من المخبرين . عاد إليهما و تحدث معهما قليلا  ، رأيتهما ينسحبان و يشيران إليّ ....في الصباح و عند باب قصر الرشيد حيث أريد الدخول إلى عملي كبستاني ، وجدت رسالة تطلب مني الالتحاق فورا بعملي الجديد كمفتش  للحانات في بغداد و ضواحيها .....عندما أخبرت صديقي أبا نواس ، أشار عليّ بالهروب ، فهارون الرشيد كلما أراد أن يفتك بأحدهم عيّنه مفتشا للحانات تمهيدا لقتله ...أعرف أن أبا نواس كان نديما للخليفة قبل أن يغضب عليه ، و لا ينطق من فراغ ... وتسللت ليلا بلا زاد نحو بلاد المغرب لأعبر إلى الأندلس لأبدأ حياة جديدة ...
قاص  و روائي مغربي عضو اتحاد كتاب المغرب و اتحاد كتاب الانترنيت المغاربية



0 التعليقات:

إرسال تعليق

 http://www.middle-east-online.com/?id=261035













 http://middle-east-online.com/?id=260883

Sample Video Widget