• الموضوع الأول في السليدر
  • الموضوع الثاني في السليدر
  • الموضوع الثالث في السليدر

1976 ـ 2016 أربعون عاما في الصفحة الأولى : عبده حقي

1976 ـ 2016 أربعون عاما في الصفحة الأولى : عبده حقي
ماتزال تلك الليلة القائظة والبعيدة جدا في صيف 1976 تردد في مسمعي تمزقات وتأوهات

1976 ـ 2016 أربعون عاما في الصفحة الأولى : عبده حقي

1976 ـ 2016 أربعون عاما في الصفحة الأولى : عبده حقي
ماتزال تلك الليلة القائظة والبعيدة جدا في صيف 1976 تردد في مسمعي تمزقات وتأوهات ولادتي الرمزية.. ولادة كاتب مفترض في حمأة سنوات العنفوان الشبابي المضطرم في أذهان

باب الشوق القديم)قصة قصيرة(أحمد بنميمون

أحمد بنميمون باب الشوق القديم(قصة قصيرة)
*1*
كان هناك،  أمام الخارج من داخل الأسوار،حيث تطوي ايدي الزمن أكثر من خمسمائة عام، إلى حاضر ذي ملامح رمادية محادية  أسيانة ، عبر  باب الشوق القديم، أن يسيربضعة أمتار إذا أحب الذهاب إلى أقرب مقبرة أو مصلى العيدين، ثم  ما لا يزيد على  الأربعين متراً، عابراً بين مبانٍ حديثة البناء، تضم فرنين وحانتين ومقهى وبعض دكاكين وحديقة صغيرة في شكل مثلث قائم الزاوية، داخلها بار ومساكن بعض معطوبي الحرب،حيث يمكنه أن ينحدر إلى جهة بها أكثر من مدرسة وقاعة سينما ومرافق أخرى ضرورية  لحياة الناس ومن يمسك تلابيبهم، ثم عليه أن يضيف قرابة الثلاثين متراً أخرى ليصل إلى مفترق طريقين : أولاهما تمضي صُعُداً نحو مداشرجوار المدينة ، في سفح الجبل الشمالي، ودون القمة ، أوأسفل  في الحضيض على حافة بحيرة أحد السدود. وهي الطريق التي كان لنا في منطلقها ملعبٌ أيام الصبا، ومكانُ لقاء أيفاعٍ  من شبابِ  معظم أبناء الحي.
أما الطريق الثانية، فكانت تنحدر إلى الإعدادية الأولى بهذه الأرض،  و إلى  مخازن كان زاد المدينة  يوزع منها على تجارها، كل حسب متطلباته ، وقدرته على الدفع،بالجملة أو نصف الجملة، ليباع بعد ذلك بالتقسيط،. وإلى محطة وقود السيارات أولاً، ثمَّ إلى حيث تقع مصالح إدارية عديدة  تضخمت كثيراً بعد أيام من مغادرتنا مسقط الرأس للدراسة ،  بقليل.
*2*
لم تكن آفاق طفولتنا  المشتركة  تتسع ، ولا مراجع رؤيتنا إلى العالم تجتمع إلا حول مجموعة  أغان كانت تجود بها علينا الإذاعات، وبعض أفلام نشاهدها في قاعة تفتقد إلى كثير من متطلبات العرض  السليم ،  قل من بيننا من كان يحسن تأويل كلام أزجالها وأشعارها ، أو قراءة لغات صورها، بسيطة  كانت طرق تَلَقِّينا،  بل وساذجأ كان فهم أكثرنا لما كنا نشاهده  من عروض صور ، وإن تعرفنا على وجوه  فنانات فُتِنَّا بطلعاتهن المغرية، أيام لم تكن في الشارع أمامنا من فتيات تخطرن بيننا، فقد كانت قيود المجتمع ضاربة بأستار من الظلمة على معظمهن، فلا بنات من سننا كن يلاعبننا، أو يشاركننا حتى في تبادل أخصرالكلام وأوجزالإشارات ، والمحظوظ منا من كان في مدرسة مختلطة، هي رغم ذلك  ما كانت تسمح بأي اتصال بين الجنسين ، وإن كانت ترفع شعار أن طلب العلم فريضة على كل واحد وواحدة منا. فنشأنا ممتلئين خشية  وجهلاً، بمن على الجانب الموازي  من  نوعنا الآخر. وكأنهم كانوا يقدمون لنا أوضح الأدلة على استحالة لقاء المتوازيين.
*3*
أنا عرفت السيْرَ على تينك  الطريقين منذ نعومة أظفاري، فقبل أن انحدر إلى صفوف   المدرسة الإعدادية ، كنت أمضي إلى جهة حقول وبساتين الجهة  الغربية ، مع عائلتي إلى غرستنا التي كان لنا بها مساحة أرض نزرعها قمحاً أوسنابل تركية ، وبضعة أشجار تين و سفرجل  ومشمش، نأكل منها إذا أثمرت، ثم أيضاً، حين يكون  من حظنا أن نركب حافلات للذهاب في زيارة قصيرة، لبعض أقاربنا في مدينة مجاورة.
*4*
لكنني كثيراً ما كنت أذهب على الطريق الأولى ، دون أن أبتعد أنا وأصدقائي،للمشاركة في ألعاب مختلفة، منها أن أحد أفراد المجموعة  التي كنت أخالطها كان  قد انشأ مدرسة على مساحة جعل الفواصل بين أقسامها مربعات أحجار، ووزع أصدقاءنا الصغار حسب أعمارهم على مستويات عينها أقساماً مماثلة لمستويات مدرسة  ابتدائين نركب حافلات النقل ، في مناسبات متباعدة لزيارة أقارب لنا في المدن القريبة..
لكنني كنتلأ،
ة، كان مديرها  كما يكشف خياله الواسع  يكبرنا بسنوات، لا تبدو مع ذلك بسبب  قصر قامته، لكن بعض تصرفاته كانت تفضح أنه تجاوز الطفولة قبلنا ، وبدأ يشُمَّ ...أجل يشم ما يعتور أجساد  بريئات  تقبعن وراء الجدران معزولات، وإن سُمح لهن برؤية ضوء النهار فمن خلال نوافذ أو فضاءات سطوح منفتحات على الأزرق السماوي البعيد النائي، وكان مديرنا وموَزِّعُنا على أقسام مدرسته الخاصة ، أسبق منا  إلى معرفة ممثلات السينما، وحفظ صورهن في وعي مراهقته التي سبقنا إليها واشتعال جسده القصيربالرغبات.وليس غريباً على من كان في نباهته بين فتيان الحي وقد تخفَّى وراء  قصر قامته بين الصبية، أن يسبق إلى معرفة أسماء بعض جميلات بين مراهقات  الحيِّ، أو من لم يبق بينهن وبين فيضان الرغبة في أعماقهنَّ إلا زمن قصير.
*5*
كانت المدرسة الصغيرة الخاصة لهذا المدير تقع على الطريق الأولى، على مشارف مجال الدور، وهي الطريق التي سماها بشارع مريم فخر الدين، ففي الدار الثالثة الواقعة على هذه الطريق كانت تسكن قتاة رائعة الجمال شبيهة مريم ، الفنانة السينمائية. والحقيقة أننا انبهرنا لدقة تشبيهه ، ولروعة اكتشافه ، رغم أن البنت كانت  درة مكنونة ، بتعبير ثقافة الحِجروالوصاية ، أو مراهقة مسجونة ، بتعبير حقوق الكائن البشري. ممنوعة من أي انطلاق،  وإن لم نكن نحن الصبية الطلقاء بأكثر حرية منها.
*6*
أما طريق المدرسة الإعدادية التي انحدرت إليها ، وأنا في الحادية عشرة من عمري،  ضمن أصغر كوكبة التحقت بها لأول مرة ، فقد سمتها شيطنة المدير الذي كان أكثر المجموعة الصغيرة وعياً ونباهة، بطريق ماجدة ، ، ففي الدار الثانية على هذه الطريق كانت تسكن فاتنة أخرى  رائعة الحسن، والحقيقة أنه لم يكن هو من أطلق عليه اسم النجمة السينمائية ، بل معجبون آخرون،  انبهروا  بجمال الفتاة.
*7*
وأنا أدهشني أن أميل إلى عشق ماجدة مع أول بوادر مراهقتي، ولم يذهب بي الخيال حتى إلى إشباع نظري من شبيهة مريم، على دقة التشبيه وجمال المشبه. الذي أشهد أن وجه الشبه فيه كان أظهر و أتم، حتى كأنني أقف أمام  تشبيه مقلوب. ورغم ذلك فقد كنت أخاف الاقتراب من حِماها، لشراسة كان مشهوداً بها لحامي البيت.
فعرفت ليالي مراهقتي الأولى سهرات تحت نافذة ماجدة ، تستمر إلى ساعات متقدمة من الليل ، تخلو فيها الطرقات من أي عابر سبيل، وإن لم تخل من مراقبين سريين في العادة، كانت نافذتها التي تختار أن تطل منها على مقربة من منعطف الطريق الأولى الصاعدة، وكانت تجلس قبالتي الساعة والساعتين، تنتظر أن أنبس ببنت شفة أو أن أوميء  لها  بما أعبر به عن حالي وعما يعتريني في حضورها وغيابها، وإن كنت أفيض كلاما أعده لكي أصور لها ما بي ، لكنني كنت أصاب بشلل وحصر، فلم يستمر الأمر  طويلاً، حتَّى ملت الفتاة ، واصبحت أواجه في كل ليل بنافذة محكمة الإغلاق، ورغم ذلك لم يخمد  ماكان في  القلب من وجد ونيران.
وباعدت الأيام ما بيني وبين أحلام صباي، وكنت قد عرفت من بعد ، أن شبيهة ماجدة كانت، في ليالي مناجاتي  في عالم  طفولي لا يسمح بوعي  ما يطلبه  العاشقون، بله تبادله، لكنني كنت كلما ابتعدت ، أكبر وأشاهد مع مجموع أبناء جيلي، كثرة من تساقطوا تحت أقدامها طلباً للمتعة بجسدها، اغتناما لما   يعتور عائلتها، من مآس كَبُرت إلى حد الذهاب بها في مهاو لا اسوأ منها، لولا أنها جاهدت، وبذلت من السعي  لإنقاذ نفسها من حمأة ما كانت قد سقطت فيه بالفعل، بتاثير عناصر سوء متسلطة جائرة، فلم يكتب لي أن أرى  يدَها تمتد نحوي  بالتحية إلا في نهاية  لقاء حافل ،  فأسمع لأول مرة صوتها العذب الهامس،واشدَهَ لجمال ابتسامتها الذي لم ينل منه الزمن شيئاً،  حتى وهي أخيراً أمامي في الثالثة والستين، فبأي ذريعة  تكون قد  حضرتْ إلى مثل هذه اللقاءات  ؟
ما أنا متأكد منه أنها وحدها  المصادفة التي  لا تخضع لأي منطق أو عقل. وقد عرفت من كلام جاءني منها،  عن غير قصد أو دعوة،  أنها ما تزال تؤمن بالباقي مما كان لها من جمال فاتن ، حتى وإن كان ذهب معظمه بحكم السنين،  فما زالت تبدو  منه حروف ناطقة   وملامح زيْن.
آخ... يالهذا الماضي الذي يرسب في الأعماق حتى ليصبح مستحيلاً إحياؤه،ثم يهجم بآلامه التي تصحو دفعة واحدة، فمع هذا الحضور الباهر لوجه ماجدة  يتحرك وجع في القلب ليس كمثله ألم، خاصة إذا كان ذلك القلب  قد أحبَّ كثيرات، فما بادلنه حباً ولا التفتن إليه، بل إنه  ليذكر أنهن  ترفعن عنه حتى لم يبادلنه أقل كلام، وقد كان ألم ذلك مبرحاً في الروح والأعماق ، إلآ أن شيئاً في داخلي، أنا الذي لم يتحول حب أي واحدة منهن فيَّ إلى حقد عليها،أو حتى إلى مجرد بغض هاديء خفيف، كان ينتفض ، هو شوقي القديم إلى كل حالة خاصة كنت أتعلق فيها بحب إحداهن، إلى أن كان وقوعي صيداً غفلاً محكوماً بارتباط مؤبد أو إلى حين. ولا يزال شوقي القديم ، حتى مع بلوغي من الكِبَرعِتِيّاً، بغلبني في حضرة أي وجه منهن، ولا أجد من تفسير لذلك إلا في كوني كنت دائماً ، وإلى الآن،أحب بصدق. ليستوي عندي الحبيب الأول بآخر من أحب.
.فآخ وألف آخ.. فإنني قد وقر في أعماقي حقاً أن جميع من أحببت، بجنون حقيقيٍّ  ما أحبوني.ولا نظروا نحوي حتى بمجرد الإشفاق.وهم يبتعدون نحو أعالٍ فاتنة ، أو وهم إلى مهاوي مرذولة يسقطون.
*8*
والحقيقية ان مدير مدرسة طريق مريم فخر الدين الخاصة ، ذلك الطفل الحالم  الكبير ، الذي سبقنا إلى وعي متطلبات مراهقته، قبل أن ندرك من ذلك شيئاً ، لم يعلِّمنا، بين دروسه ان أمور الجسد، أو القلب بتعبير مؤدب، لا يمكن أن تسبق ميقاتها. ، فساعة الجسد  لا ينبغي لها أن تسبق مواعيدها، فالقلب كالشجرة التي إن كان لها أن تورق فبميقات محدود، وكان عشق مديرنا الخاص الذي أدرك الحُلُمَ في وقته الطبيعي، تجلّى   إذ  شُمَّ روائح العشق  وقد تفتح بالألوان البهيجة بستانُ قلبه في إبانه، أيام  كانت قلوبنا  نحن ، لا تزال غضة في براعمها  دون التَّفَـتُّـحٍ بقليل.
سلاماً شارع ماجدة، ويا وجهها الضاحك مثل  وجه أي ملاك، ولو بعد سقوطه في أتون شياطين ملعونين.
سلاما شارع مريم التي كأنها رفعت إلى السماء ، حيث لم يعد لها ذكر بعد أن غيبت خلف ألف ستار.
سلاماً مدير مدرسة الطفولة الخاصة. رغم كل ما كان يطبع سلوكه من غرابة انكشفت بعد فضيحته شيخاً، عن أنه كان منذ صغره خَصِيّاً ، عاجزاً عن أية علاقة طبيعية بين نوعي بني الإنسان.

01/04/2015 ـ أحمد بنميمون (العرائش)

الأمنيـــــــــــــة...قصة: نبيــل عــودة

الأمنيـــــــــــــة...قصة: نبيــل عــودة
كان مواظبا على الصلاة لربه، لا يقوم بخطوة دون ذكر الله، لا يستسلم لسلطان النوم دون أن يستعرض أفعاله وأقواله ذلك النهار، ثم يطلب المغفرة من ربه إذا ما تجاوز التصرف السليم، أو تفوه بما لا يليق بإنسان يخشى الله.
مسار سيرته كالمسك، بشهادة أصحابه وأقاربه. يكرر شكره لربه على الخصال الحميدة التي زرعها في نفسه منذ بدء وعيه على الحياة.
في توسلاته للعلي القدير يستعرض دائما ما يعذبه من العلاقة ما بينه وبين زوجته المشاكسة،سائلا اياه ان يرد لها عقلها ويوقف لسانها عن الناس. لم تترك جارة تفلت من لسانها. كان أشد ما يخافه أن يتحمل وزر أعمالها ويحاسب بجريرة أفعالها يوم يقف للحساب أمام العلي القدير.
استشار الصالحين والأتقياء وذو اللحى الطويلة من أهل بلده، هل سيحاسب على أفعال زوجته؟ هل الزوج شريك رغم انفه بأخطاء الزوجة إذا عجز عن ردعها ؟ ما العمل لإعادتها إلى طريق الصواب؟
أجابه شيخ الحارة أن الشرع أتاح ضرب الزوجة المشاكسة لتأديبها، قال ايضا"ان عدم تأديب الزوج لزوجته هي خطيئة تحسب للزوج في يوم الحساب".
دخل الزوج بدوامة من الرعب ، كيف يضربها وهي شديدة البأس تخيف اكبر شنب في الحي؟
كان على علم أن رجال الحي يهابون لسانها ، وسطوتها عليهم ، لم تكن تتردد عند الضرورة للتعرض لهم وسط الحارة متحدية وجاهزة للمعركة، لكن من يجرؤ على منازلة امرأة  ومرمغة شرفه بالتراب؟
استعصى على فهمه  كيف تكون المرأة بهذه القوة والبأس والشراسة، الم تخلق المرأة لتكون متعة للرجل؟ من أين لها هذه الطاقة على الشر؟ وبنفس الوقت كانت مرحة، مضيافة لمن لا يعترض على أحكامها، تُطمئن زوجها بأن لا يقلق على آخرته، لأنها ستشهد أمام الله لصالحه  وتتحمل لوحدها وزر أعمالها: "مع مخلوقات أشبه بالرجال، لا يسوى الرجل الواحد منهم بصاق  امرأة"، على حد تعبيرها.
شاهد ذات ليلة حلما، ظهر له فيه ضوء شديد القوة، لدرجة انه لم يستطع أن يرى أي ملامح من وراء هذا الضوء  وصوت مثل الرعد قال له "الله لا يخيب آمال أبنائه المخلصين  وسيستجيب لدعواتهم إذا طلبوا".
وقع في حيرة من أمره.. هل كان هذا حلما، أم صوتا حقيقيا؟ ربما وهما؟ كيف له أن يعرف؟ يقينه يقول له انه سمع صوتا حقيقيا.. هل حقا؟! قال لنفسه:" مهما كان، هي رسالة واضحة بأن الله لا ينسى أبنائه الورعين".
نهض فجر اليوم التالي سعيدا، شاعرا براحة نفسية لم تراوده منذ زمن طويل. شكر  ربه على رسالته الواضحة  التي تطمئن النفس وتعزز الإيمان .  كان واثقا أن ما سمعه هو إشارة مطمئنة للأتقياء من رب العالمين.
مجد الله في علاه  وقال وعيناه شاخصتان للسماء مخاطبا الله، أن له أمنية قديمة في نفسه  يرجو الله أن يلبيها بناء على وعده له ليلة الأمس.
ويخيل إليه انه سمع صوتا يشبه الصوت الذي سمعه في النوم. قال له الصوت:
  - أنا أعرف صلابة إيمانك،وحسن سيرتك، طهارة قلبك، عدم رضائك عن تصرفات زوجتك، لقد فحصت قلبك ووجدته نقيا من الشوائب، فحصت دماغك ووجدته خلو من الكراهية وأفكار السوء،  لذا قررت أن أمنحك أمنية من أمانيك، فتمنى أكثر ما ترغب به نفسك.
فكر بالعرض المغري وهو الإنسان الورع  لكنه تردد كثيرا. كان حائرا بين حقيقة ما يخيل له انه سمعه؟ لم يعد يعرف صحيحه من خطأه، يقينه من وهمه. خاف من أفكاره ان يكون فيها طرف من الخطأ، إذا كان ما سمعه حقيقة يجب أن لا تفوته الفرصة. كانت له رغبة في الابتعاد عن البيت والزوجة المشاكسة إلى مكان بعيد لترتاح نفسه ويستعيد صفو تفكيره وليجدد طاقاته، لعل هذا البعد يغير أيضا نفسية زوجته، فيصلح حالها.
  - أمنيتي أن ازور ابعد دولة عنا، تدعى استراليا، لكني أخاف الطيران خوفا شديدا لدرجة أن نبضات قلبي تتسارع إلى حد الخطر، أما البحر فيصيبني بدوار شديد، قد يفقدني رشدي. فهل تمد لي يا رب العالمين جسرا من هنا إلى استراليا، لأسافر بسيارتي  وأتوقف وقت الضرورة للقيام بواجباتي الدينية؟
أجابه الصوت، الذي يظن انه صوتا سماويا:
  - طلبك هذا مستحيل، هل تعرف كم تكلفة وصعوبة مد جسر فوق البحار ووسط المحيطات الهائجة، شق شوارع بالجبال وجسورا فوق الأنهر  من اجل شخص واحد؟ يا ابني العزيز فكر بأمنية أقرب إلى التنفيذ  وسأتركك الآن وأعود إليك غدا بعد أن تفكر بأمنية جديدة ومعقولة.
لم يتردد وسارع يقول، خوفا من أن يفقد هذه الفرصة الذهبية:
  - لي أمنية أخرى ؟
  - ما هي؟  
  - أمنيتي أن أفهم نفسية النساء.. لماذا يغضبن؟ لماذا يضحكن؟ طريقة تفكيرهن بالحياة؟ ماذا يعني الزوج للزوجة؟ لماذا تفكر أن الرجل بلا مشاعر؟ كيف افهم عقليتهن؟ كيف افهم ردود فعلهن على ما يجري؟ لماذا تبكي المرأة؟ ما الذي يجعلها سعيدة؟ ما الذي يحزنها؟ ماذا تعني المرأة عندما تقول لشخص إنها تحبه؟ كيف استطيع إسعاد امرأة، ان أجعلها سيدة بيت مطيعة ومتفاهمة؟ كيف أقنعها أني حقا أحبها وأريد لها الخير؟ باختصار يا الهي أريد أن أفهم نفسية المرأة بشكل كامل!!
ساد الصمت بعد ان قال امنيه، لدرجة انه ظن أن الله لم يسمع امنيته أو تجاهلها. ترى هل يخل الله بوعده؟ أو أنه هو يعيش وهما؟ حلما؟ وما هي إلا برهة، قبل أن يصاب باليأس، حتى سمع الصوت من جديد:
-        قل لي يا ابني هل تريد الجسر إلى استراليا باتجاه واحد أم باتجاهين ؟

nabiloudeh@gmail.com

قصة قصيرة : روح حرّة! حسن شوتام

قصة قصيرة : روح حرّة! حسن شوتام
1.
عندما وقفتُ أمام الشباك الأوتوماتيكي، راودتني رغبة صريحة في طبع عينه الحمراء الدقيقة بوسطاي! منعتني فقط بطاقتي المدفوعة في أحد جانبيه و استغراقها في عملية السحب.. إنها روحي الحرّة.. روح تشتهي الانطلاق.. تأبى الانتظار و تسارع في تحطيم الموانع!     و أكثر ما يقلقها حدّ استعانتها بالجسد و حواسه لإعلان ثورتها؛ تلك الثقوب و الحفر المترصدة لحركتها و سفرها الأثيري كلّما سكن الجسد.. تلك العيون المفتوحة أبدا كالهاوية تشدّها قسرا إلى موانئ الراحة و الأمان و هي النقطة التي باركت لجج المحيطات و تناقلت سُبلها صلوات و أشواق الملاّحين في أعالي البحار!                  أخذت الأوراق المالية ثم خرجت من مجال مسح العدسة الدقيقة لأعانق فضاء يتأرّج هواؤه بطيب الورد البلدي.. روحي هنا غير محاصرة رغم وجود كاميرات ثابتة و متحركة و خارج النطاق المرئي.. يسهل اقتحام روحك الحرّة و تفكيكها عندما تصير رقما في بطاقة أو نسمة في بيانات الاحصاء على أنّ المسألة تغدو أصعب لمّا تنصهر في بوتقة الحياة و تضيع في زحمة الرؤوس الحالكة و اندفاعها اليومي. روحي الحرّة تسترخي في مثل هذه الأجواء، لا تنتظر أحدا و لا تستجدي أحدا.. ثمة ربما أحشاء رئفة تبكي خلاصها و لربما عين رحيمة تنتظر رجوعها.. لكن من يستطيع إيقاف روح حيّة لا تعي البتة إنطفاءها.. روح حرّة تؤمن فقط باشتعالها و استهلاكها اللحظي لأوكسجين الحياة!                                   
2.
أتواجد الآن في باحة خاصة بسيارات الأجرة، و الغريب أن هذه الأخيرة أضحت موقفا لجمهرة من المسافرين و مستودعا لأمتعتهم و حقائبهم المكدّسة دون أثر لعجلات تُدار و لا صوت فرملات تُكبح و لا رقم سيارة يُنادى به عاليا كما العادة.. الباحة خالية تماما و الانتظار وحده سيد الموقف! من حسن حظي أن الوسيط المكلّف بحراسة المحطة و ضبط حركة السيارات وفق ترتيب مُحدّد يقف على بعد ذراع مني فقط وفي يده قلم و رزمة أوراق صغيرة تشبه إلى حدّ بعيد تذاكر السفر؛ يعتمدها على الدوام عندما يفوق عدد المسافرين المُتاح من سيارات الأجرة و تسمح له بتعيين نوبة كل مجموعة مُؤلّفة من ستة أفراد. سألته عن سبب هذا الاحتباس البشري فأخبرني و الدهشة تعلو وجهه أن الدخول المدرسي من وراء هذه الحالة. استغربتُ بدوري لأن أزمة المواصلات تشتدّ قبل الأعياد الدينية بأيام و بعدها مباشرة وقلّما تحدث لأسباب أخرى في مثل هذه البلدات الصغيرة. أخذت منه ورقة لأنحشر في مجموعة قبل أن يستتب المكان أكثر بالمسافرين.. ذكّرني قبل أن أبتعد عنه بأنني مع المجموعة الثالثة..                                                     
دفعتُ الورقة الصغيرة تحت الصينية التي أحضرها نادل المقهى المقابل لساحة المحطة ثم بدأت في ارتشاف الشاي مُستمتعا بنكهة النعناع و متأمّلا هذا الحضور البشري بدهشة       ممزوجة بالإعجاب.. فليس أجمل من شعب يستنفر الهِمم لصدّ الحماقة و يوقظ النفوس المتعطشة للمعرفة و الحكمة و المتشوّقة لدخول دراسي جديد مثلما يشتاق المؤمن الدخول في راحة الله.. و ليس أقبح من ''أمة ضحكت من جهلها الأمم''! هل طيّ واقعنا الحافل بالهزائم ومضات لانبعاث جامع؟                                                         
أخذت رشفة أخيرة طويلة من حافة الكوب ثم وضعته على الصينية بقوة مقصودة مَنْعاً لتداعي الأفكار و توارد الأسئلة.. بيد أن روحي اللعينة وافتني بترجمة آنية لوقع كوب الشاي الفارغ و صدى رفيقته الصينية: طيّ واقعنا الحافل بالهزائم.. مزيداً من الكؤوس و الولائم!   تجاهلت الخاطر اللاّذع حتى لا يستحيل قراراً قهرياً أردّدهُ كلّما جلست إلى طاولة لأحتسي كوب شاي. عندما رفعت هامتي لأواجه عراء الباحة فاجأني أمران: دخول ثلاث سيارات أجرة إلى المحطة مرّة واحدة و ضياع ورقتي الصغيرة!                                    
4.
الوسيط يتجبّر في الميدان.. لا ينظر إلى الوجوه.. عينه فقط على الأوراق. الوسيط جمع البراعة من أطرافها.. براعة في ضبط عدد المسافرين.. براعة في توزيعهم إلى مجموعات صغيرة و ضمّهم كخُشيْبات بورقة صغيرة مُرقّمة.. براعة في عدّ و تفكيك أوراقهم المالية.. براعة في تكديسهم داخل المرسيدس و إخراجهم من المحطة بإضافة السابع؛ السائق رقم الكمال! المجموعة الأولى انتقلت إلى فضاء و فصل جديد.. المجموعة الثانية أيضا بنفس البراعة و على وجه السرعة. يحدث ذلك جبريّاً و كأنهم أرقام على جدول العدّ.. مسافر وحيد ثم ثان و ثالث لا يمنحك فرصة ترك الفصل البسيط. بوجود الرابع، يعظم أمَلُك.. فأنت في زمرة الفصل الألفي.. بمجيء الخامس و السادس و طلعة السائق بالضرورة تصيرون سبعة.. هنيئا أيها المسافر ستدخل فصل الملايين و تغادر المحطة البائسة حيث أقف أنا و زمرة المساكين!                                                                          
- الورقة.. الورقة.. نعم.. نعم.. وي..!                                                  
اللّئيم يُحصي الأوراق مُقطّب الجبين، لا يرضى بغير الورقة.. أذكّره بأني أنا المستفسِر عن سرّ الاحتباس البشري في باحة المحطة منذ حين و بأنّ يده المعروقة تلك منحتني التذكرة؛ الورقة التي انفلتت من ثقل الصينية في غفلة منّي. الخسيس يتلذّذ بانتظاري على مرأى من الجميع و كسابق عادته لا يتطلّع في وجوه المسافرين و كأنه يتّقي بذلك عيونا تُذكّره بأنه من عِداد المُتعبين!                                                                          - الورقة دليلي آسّي محمد!! خُذ تذكرة أخرى.. المجموعة الرابعة!                        المنحطّ عدّاد لا يرحم! تركتُ يده المُتصلّبة مُعلّقة وقد جمعتُ أمري على الرحيل..                                            
5.
تحملني روحي المشتعلة إليكَ.. بعيدا عن الزحمة، قريبا من الرحمة.. رحمة الملء و رحابة الفصل الخامس.. فصل العميان و الحمقى.. فصل المغضوب عليهم و الضالين.. فصل عابري السبيل التائهين.. فصل المدمنين و مضاجعي الذكور الحالمين.. أمشي الهوينى لا ألوي على أحد و كلّما تقدّمتُ تعطش روحي أكثر فأكثر لرذاذ حضورك الماكر المجهول. تُراني أخطأت عندما استسلمت لدعوتك و تفيّأت بجناحيك العريضين الآسرين؟ بغيض لذيذ لعبك حبيبي و مُسلّي.. تتركني للفح الفراغ و الصمت في عزّ احتقان البوح و في كلّ مرّة تذيقني الأمرّين قبل أن تسقيني عسلك السحري مُجدّد الاحتقان؟ ألهذا السبب جدّ في طلبك المفتونون في الجزر البعيدة و المنازل المهجورة و تحت القناطر المنسية؟ من حسن حظي أن أشرق وجهك ذات ليلة لي أنا المُبتلى في غرفة بسيطة من فندق.. لعمري إني حسن الحظ!                                                                                   
- ورزازات؟!*                                                                           
أخرجني سائق سيارة ''بيكوب'' من شرودي و حتى قبل أن يشير إليّ بالصعود ألقيت جسدي بخفّة داخل العربة مُتّخذا عجلة احتياط مسطبة للقعود. و لولا تنبّهي لوجود سائح يشاركني   المقصورة المفتوحة لأعلنت بأعلى صوتي أني إليك قادم و كلّي رغبة في خوض المغامرة  حتى آخرها هذه المرّة.. لست أدري من سيفرغ الآخر من احتقانه لكني موقن أنه على طاولة قدس أقداسنا؛ في الغرفة الصغيرة سنبارك معا نزالنا الأخير و لقاءنا الأخير..              
حسن شوتام
الجمعة12 دجنبر2014
 مدينة مغربية                                                                                                                        *

                

إدريس الواغيش : عبارات وداع قديم

إدريس الواغيش : عبارات وداع قديم
التقيا صدفة بزقاق ضيق في مدينة صيفية
وقفا يسترجعان بعضًا من الذكريات
لقاءات...، فراق، صوت وصورة ورنين بعض الأسئلة القديمة
استرجعا أمكنة وأزمنة  جمعتهما معا
تكلما قليلا وصمتا كثيرًا
انتبه هو فجأة إلى أن ابنه شارد يتأمل عينيها
انتبهت هي إلى أن ابنتها الماسكة بيدها، تمشي بخطوات صامتة في اتجاه عيني شاب وسيم
 حالة طوّحت بهما إلى ذكريات اللقاء الأول
نفس اللقاء، نفس النظرة، نفس الشرود في زقاق ضيق من مدينة أخرى قديمة
وقفا صامتين يتأمّلان معًا منظر سور ذابل وحزين، يحيط بخاصرة المدينة
رنّ جرس الهاتف، وصل صوت خشن من الضفة الأخرى...
- فينْ راكْ...؟ أَسْرْعي، أنا في انتظارك
وقفت جامدة في المابيْن الحاضر والماضي
- زوجي...عذرا عليّ أن أغادر
انتظر ومن دون جدوى، عله يسمع منها- كما من قبل- عبارات وداع قديم، لكنها تذكرت أنها ليست لوحدها، فأسرعت مهرولة في اتجاه البحر. فيما وقف هو ينظر إلى السماء، قبل أن يخطو خطوته الأولى...
وانصرفا كل إلى حال سبيله...، حتى من غير كلمة وداع !
وهو يكمل جولته مع ابنه بين أسوار المدينة القديمة، يستمتع كعادته بتخلص الشمس من حمرتها ويلتقط صورًا للذكرى، وجد نفسه وراءهما معًا يرقبان منظر الغروب في المحيط، وفي نفسه لو ترأف الشمس بحاله ذاك المساء، وتأخر من موعد غروبها قليلا...
وفي غفلة منه...، جذبه ولده بقوة....
- أبي...، الفتاة التي التقيناها مع أمها قبل قليل !!


قصة قصيرة همسة على الرصيف : حسن شوتام

قصة قصيرة همسة على الرصيف : حسن شوتام
لشدّ ما أنت بائسة عزيزتي.. الحبيب الذي نام في حضنك أوّل أمس كطفل راجف، يقف الآن في الطرف الآخر من الشارع؛ ربّ أسرة حُمّل نهارا من السعي و قائمة طويلة من الطلبات. هي الخيمة، العِماد و أمّ الأولاد.. الأوتاد الرّاسخة في أرضه.. الصاخبة في أعماقه كلّما غيّبته عنهم المسافات. لهم الحق، كل الحق في طلبه واستحضاره بقوة الشرع و سلطة القوانين ونداء السر الثابت.. سر العودة المحفوظ في القرار المكين!    أما أنت فوضعك بائس يدعو للشّفقة و الرثاء. تبدين بفستانك الطويل ووقفتك الجامدة المنضبطة على الرصيف نظير إحدى قريباته أو ابنة أحد أصدقائه و قد رافقها لتدفع وثائق و رسوم التسجيل في الجامعة لأوّل مرّة!  لِم أذعنت لشروطه؟ كيف وافقتِ على أن يكون لك في السّر فقط؟ في العلن- ونادرا ما يحدث ذلك- عليكِ بمسافة أمان كافية وواقية من حوادث التأويل.. في العلن عليك بسمت الجدّ و الرزانة مع تعزيزه بأصيل اللباس أطوله.. في العلن و إبان نزول أمطار غير متوقعة؛ تحرصين أشد الحرص على فتح جميع المظلات المنمّقة بألوان من الأكاذيب و المعاذير و التعلاّت! في العلن؛ عليك بفعل هذا وترك ذاك حفاظا على سرية العلاقة.. غبية.. قرارك الاستمرار في هذه اللعبة لم يكن أبدا مبنيا على التفكير الدقيق! لاحظي كيف يستعرض أمامك في صفاقة و دون تقدير لمشاعرك سُلّم أولوياته: يُسدّد احتياجات العائلة أوّلا؛ فيختار لكل فرد فيها من الطعام و اللباس و الشراب أجوده. لا يكاد البائع يفرغ من تغليف رِزمة مشتريات حتى يبسط قدامه حبيبك بضاعة أخرى و أشياء أخرى تعرفين تماما الهرش الذي تُحدثه في ثنايا ذاكرتك و لربما في خندق ما من جسدك! هرش لا تُخطئين أبدا مخالبه التي طالت طفولتك و أنوثتك في غفلة من الأهل!سيرتفع صدرك تنهّدا و يشرع قلبك في البكاء.. لو كان على بعد ذراع منك اللحظة لارتميت في صحرائه بحثا عن قطرة ماء.. أتدرين؟ تَحضُرين تبضّعه الشهري فقط لترقبيه و هو يوزّع حنانه الأبوي و كأنك زُوّدتِ بشعيرات دقيقة تلتقط دبيبه الأبوي ذاك.. تمنيتِ طفلتي غير مرّة أن يخصّص رزمة لك أو أي شيء بسيط آخر.. المهم أن تكوني حاضرة هناك وسط مشغولياته الأسرية.. أن لا يُسقطك من ذاكرته مثلما فعلوا بك عندما افتضح أمر عذريتك فصرتِ من ساعتها نسيا منسيا.. تمنيت ذلك غير مرة صغيرتي لكن لم يحدث ذلك و لا مرّة.. تُنفقين في نهاية طقسه الشهري انتظارك و صبرك و دمك دون أن تغنمي من الجولة بشيء.. أتدرين؟ أنت العشيقة  و حبيبك معكِ ما برحتِ معه خليلة صامتة تُجدّد طاقته.. تُجدّد طاقته فحسب! يعلو صدرك و يضيق نفسك لهذه الحقيقة..حسنا تفعلين لو أرخيت قليلا من التفاف الشال حول عنقك.. حسنا تفعلين لو أسبلت شعرك من تحت القماش الحريري على رأسك و انطلقت.. أميرة تلتحف الشمس.. تنتعل الحرية.. الحرية..الحرية..                                                                                      
حسن شوتام
25 يوليوز2014

أبو نواس مرشحا : قصة قصيرة حسن الرموتي

  
أبو نواس مرشحا : قصة قصيرة حسن الرموتي 
قادتني قدماي إلى أسواق بغداد و دكاكينها ، كنت في حاجة  إلى الترويح عن النفس بعد يوم طويل من العمل في حدائق  القصر . في شارع المتنبي حيث مقر البعثات الدبلوماسية لبلاد الهند و السند  وفارس غيرها من الأجناس ... دلفت لحانة – حانة طرفة كما هو مكتوب على اللافتة و بخط مغربي جميل - باحثا عن أبي نواس ، دلني الساقي بحركة من رأسه وجدته غارقا بين قنينات ، طلبت من الساقي أن يعدها و يجمعها من أمامه ، نفتحه عشرين دينارا . جلست إلى صديقي أبي نواس فقد درسنا معا في الكتّاب  منذ سنوات  ، ذهب هو إلى البصرة حيث درس القانون الدستوري  بينما تابعت انأ دراستي في الكوفة  في فن البستنة و علم النبات . اشتغلت بقصر الخليفة هارون الرشيد  بعد وساطة و رشاوى .  ورغم اختلافنا ظلت الصداقة متينة بيننا ...سألته عن رغبته في الترشح للانتخابات المقبلة ... صدرت عنه قهقهة كبيرة ملأت أرجاء الحانة ثم رأيت دمعتين حارقتين تتسللان من مقلتيه . حاول أن ينهض من مكانه فلم يستطع . أشار للساقي بعلامة النصر ، عرفت انه طلب جعتين باردتين .. فالحرارة في شارع المتنبي كانت لافحة .. و حرارة الانتخابات المقبلة تنبئ بصراع  محتدم ، خاصة  ، بعد أن أسس فقهاء المساجد  حزبا جديدا أسموه حزب الزيادة و الترضية  بمباركة  من هارون الرشيد ...قلت لأبي نواس إن الحزب الجديد سيحصل  على اغلب المقاعد ، فلماذا لا تترشح باسمه في مقاطعة من ضواحي بغداد و أنت  من فقهاء القانون الدستوري في هذا البلد ... ابتسم أبو نواس حتى ظهرت قواطعه البيضاء مثل حبات الفول رغم إدمانه ، فقد كان كثير الاستعمال لعود عرق السوس المجلوب من بلاد المغرب ، وأمنية أبو نواس أن يزور المغرب الذي سمع عنه الكثير  .. ربّت على كتفي و قال : أنا لا أحب الكذب يا صاح أحب أن أكون ماجنا و سكيرا على أن أكون بهلوانيا في مجال السياسة .ثم قال : ما معنى حزب الزيادة و الترضية ؟، لم أسمع بمثل هذا الحزب ، أعرف حزب الحشاشين  وحزب القرامطة و البرامكة و حزب الصعاليك الجدد  ..و هو الحزب الأقرب إلى نفسي ، قلت له مبتسما : حزب الزيادة والترضية يعني أولا ، زيادة في سواد الأمة ، حتى يفتخر بنا رسولنا الأعظم و على العموم الزيادة في كل شيء ، ومن له القدرة على الإضافة ، فليضف ما شاء ، كما هو الحال في أسواق بغداد هذه الأيام .و الترضية معناها ترضية النفس بما يليق بها من الشهوات و ترضية المقربين  وقهر البسطاء لأنهم عالة ...فجأة انتبهت أني أتكلم بصوت مسموع .. فقلت له : إن بالحانة مخبرين ، ابتسم و أشار إلى أحدهم يجلس منزويا و قال : هو مراقب الحي هنا في بغداد لن يستطيع أن يقول شيئا خوفا من هجائي  . قريبا منى رأيت شخصين يحييان أبا نواس  من بعيد ..
وحين سألته عنهما قال : هما والبة بن حباب و حماد عجرد . سأل أبو نواس الساقي المزيد من الجعات لكنه رفض ، مذكرا إياه بالقانون  المسموح بعدد القنينات في البلاد .. امتثل للأمر ..خرجنا من الحانة ، كان الليل في منتصفه ، و شوارع بغداد خالية إلا من ثلة من شباب يسمرون و ينشدون شعرا ..بدأ أبو نواس بدوره ينشد شعرا ، كنت أرهف السمع إليه حتى ذكر اسم جنان  ، قلت له من تكون جنان هذه ؟ التفت إليّ و ضرب على صدره  مكان القلب تماما و قال : هي كل شيء ...كيف الوصول إليها ؟ صمتت ، لا أريد أن أقلب مواجع الرجل . سرنا على ضوء المشاعل المتوهجة التي تضيء الشارع دون خوف ،لأن الناس في مملكة الرشيد تخاف من ظلها  . قلت  له من جديد  ، ما رأيك في ما طرحته عليك ، الانتخابات هي فرصة  لك ، و الوصول حتى لمعشوقة الفؤاد  جنان هذه ، التي أضنت قلبك . المال و السلطة تأتيان بالمستحيل . نظر إليّ  ثم تقدم نحو الحائط الذي  رسمت عليه صور المرشحين لفنان من بلاد فارس ، رسوم لوجوه الشعراء و الفقهاء و الكتبة  ولصوص بغداد و أرقامهم  و برامجهم الانتخابية...فك أزرار سرواله الفضفاض و افرغ متانته ملتفتا خوفا من عسس الخليفة هارون الرشيد . ثم أطلق قهقهة تردد صداها في الشارع الخال من المارة ...سألته  عمّا يقولونه  حول توبته ، ابتسم ثم اقترب مني كما لو كان يخاف أن يسمعه أحد و قال : ماذا فعلت لأتوب ؟ ، حين يتوب اللصوص و القتلة  وتجار الدين و فقهاء الخليفة و غيرهم ، عندئذ أفكر في ترك هذه الحانات المنتشرة في بغداد ، و سأرحل إلى البادية أو الصحراء حيث الصفاء و المرؤوة ...فقط أريد أن تكون معي جنان ..تحسس أبو نواس جيب معطفه من نوع ترواكار الصوفي المصنوع ببلاد الهند  وقال : الليل مازال طويلا ، لكن الساقي منحني خفية لترا من النبيذ الصبوح التي تكلم عنها عمرو بن كلثوم مقابل دينارين و هي مهربة من بلاد الأنوار ... و هكذا ترى أن كل شيء في هذه البلاد يمكن أن يباع و يشترى ، أخرج القنينة   تأملها على ضوء مشعل قريب وقال : حتى العسس يمكن أن يشتروا فقط ببيت شعر ..  فماذا تبقى في هذه البلاد التي تبيع كل شيء ...طأطأت رأسي خجلا ، سرت دون أن أنبس ببنت شفة ..سرنا نحو البيت الذي يكتريه أبو نواس بعد أن أقتنينا طعاما من محل المكدونالد  الذي ما زال مفتوحا  لأنه من أملاك الخليفة ، سمعت وقع خطوات تتعقبنا ، قال لي أبو نواس ، لا تخف ، هما من المخبرين . عاد إليهما و تحدث معهما قليلا  ، رأيتهما ينسحبان و يشيران إليّ ....في الصباح و عند باب قصر الرشيد حيث أريد الدخول إلى عملي كبستاني ، وجدت رسالة تطلب مني الالتحاق فورا بعملي الجديد كمفتش  للحانات في بغداد و ضواحيها .....عندما أخبرت صديقي أبا نواس ، أشار عليّ بالهروب ، فهارون الرشيد كلما أراد أن يفتك بأحدهم عيّنه مفتشا للحانات تمهيدا لقتله ...أعرف أن أبا نواس كان نديما للخليفة قبل أن يغضب عليه ، و لا ينطق من فراغ ... وتسللت ليلا بلا زاد نحو بلاد المغرب لأعبر إلى الأندلس لأبدأ حياة جديدة ...
قاص  و روائي مغربي عضو اتحاد كتاب المغرب و اتحاد كتاب الانترنيت المغاربية



قصة قصيرة : ذبذبات من الضفة الأخرى...‼إدريس الواغيش

قصة قصيرة : ذبذبات من الضفة الأخرى...‼إدريس الواغيش
كما لو أنني أراه لأوّل مرة، يشبهني أو يكاد قليلا، انتصب أمامي فجأة في المرآة، قبل أن يمرّ في الرواق اللولبي سريعا كشبح خرافي أتى لتوِّه من عالم آخر. ظننته للوهلة الأولى جبرائيل جاء ليأخذ أمانته إلى مستقرّها الأخير. خفت، تردّدت...، مع ذلك قلت: فلأقترب...، وليكن من أمري ما يكون!.
استرجعت اللحظة على عجل وركبت أجزاء الصورة على بعضها من جديد، كان وجهًا عبوسًا وغامضًا.
اقتربت منه أكثر فأكثر ثم أمعنت النظر، فشككت في أمرها. الأكيد أن المرآة ساقطة ومتملقة وكاذبة كما عهدي بها في الغالب. كثيرا ما ضحكت عليّ، وأظهرتني على عكس ما أبتغي. كانت ضبابية بعض الشيء، وجوانبها باهتة ومتآكلة. الذي أعلمه علم اليقين ومتأكد منه هو أنها فقدت مصداقيتها معي، و لم تعد تطيق رؤيتي كما كانت في البداية، لذلك كنت على حقّ وأنا أتخذ قرار عدم الثقة بها إطلاقا ولا في أمثالها حتى في الأماكن العامة. هل كنت على صواب؟ أم كان عليّ فقط أن أنظف ما علق بها من غبار و كآبة، لتنجلي الصورة فيها بشكل أفضل؟ لم أفعل!.
 هل أتعِبتني شهواتي الغامضة...، هل نسيتُ أن أنزل ستائر منتصف الليل كما تعوّدت، فاستفقت على ضوء حارق في جبهتي، أم لأن حُلمي نفسه كان مرهقا منّي؟ حالة ، حتى وإن كانت عابرة، فهي لا تنفع معي هاهنا في شيء.
مع ذلك قمت بصعوبة، رغم أني كنت في حاجة إلى المزيد من المنام، لأستنفذ ما تبقي فيّ من ذبيب الشهوة إلى الحلم. لكني كنت مستعجلا  في أمري، و لم يكن في إمكاني تأجيل ذلك إلى الحلم المقبل، فقد يئست ، وإن مؤقتا، من حالي و أحلامي.
بدأت أحدث نفسي في البيت جيئة وذهابا، في انتظار أن تأتي خطيئتي الأبديّة، تذكرت الأبخرة الداكنة في بيت خالتي الريفي، فراغات الحقول في الفصول الشتويّة وحين تتعطل رغبة المحبين إلى الحب.
 نظرنا إلى بعضنا في دهشة وارتياب، كنا معا كمن يبحث عن خصمه منذ زمن سحيق، فوجده فجأة وهو يستعد للرحيل.
 كِدْنا معا ننسى خصوماتنا المتكررة ونتصافح، نتعانق بحرقة الأحباب كأننا التقينا بعد غياب طويل، لكنه في الأخير ورغم كل المحاولات غضب مني، فغضبت عليه.
 قلت له :
- لم أنت هنا، هل تستريح مني أم من ركوب البحر؟
قال لي: وما خطبك أنت من تواجدي هنا؟
قلت: ما عهدتك باسما ولا راكب بحر، هل جئت لتراني؟!
قال لي : انْس أني هنا .... ، أنا هنا لست أنت !!
هممت بمصافحته، فاختفى. أجهدت نفسي في البحث عنه في كل زوايا البيت دون جدوى. قلت مرة أخرى مع نفسي: فلأثق هذه المرة في المرآة حتى وإن احتالت عليّ‼
أعدت النظر إليها، كانت مختلفة تماما، بدت لي برّاقة وصافية على غير العادة، لكن فيها مكر وخديعة. مع انعطافتي الأولى، سمعت صوتا هاتفا يردد بلا أثر: لا أريد أن أراك ...!.
 حاولت التأكد من مصدر الصوت، لم تكن إلا المرآة واقفة أمامي خالية من أي صورة.
متعب ومنهزم غادرت المكان، عدت إلى نفسي. حاولت أن ألملم قواي وأستجمع صور الحلم - الرؤيا كما بدت لي في الحلم، لم أقوى على تذكر كل ما جرى من أحداث.
ظهر لي ثانية في لمح البصر، همَمْت بمصافحه، فأمسك يديه واستعصم قبل أن يغيب من جديد كما فعل في المرة الأولى!.
قال لي مناديا دون أن أراه أو يراني، والانفعال مازال يسكنني:
- مكانك ...، لا زلنا بعيدين عن بعضنا !!
تمنيت لو أني قطعت البحر أو المحيط بقفزة واحدة، مُغْمض العينين ودون انتظار طويل على الصخر المسنن قرب الشاطئ. أصَخت السمع إلى الأمواج الهادرة بداخلي، فإذا بأصوات الغجريات والشقراوات تأتي ضاحكة على شكل ذبذبات من الضفة الأخرى.
 تطول جَلساتي في كل مرة، حتى يَغلي رأسي من التعب فأعود خائبا من ذاتي إلى ذاتي. ودَدت لو أني سجّلت كل الضحكات التي تأتي من الضفة الأخرى لتؤنسني في خلوتي، ترتسم كل الابتسامات والصور التي تخيلتها في أحلامي لتغيّر من جغرافية وحدتي.
 هل أجرؤ على النوم بعد اليوم، أحلم من جديد بعوالم سعادة أبدية، بعيدا عن قلق يهزني كلما أمعنت النظر في الحدائق المغتصبة منذ أيام الطفولة في ذاكرتي. السعال القادم من البيت المجاور يفسد عليّ خلوتي، إنه من دون شك للأب العليل منذ سنوات في ذاكرتي. أستحضر صورته فيزداد توتري. تُجافيني صحة الأم التي لم تعد تحافظ على فُتُوّتها، فتبدو لي حزينة ومهمومة على غير عادتها. قمت أبحث عن فتيل لثورة العميان بداخلي، فبدوت هذه المرة في هادئا في المرآة وغير متحفّز لأي خطوة أخرى. كنت غير متوتر ومتّزن الحركات كمحاسب منعزل وراء مكتبه، ينتظر ما يجود به آخر الشهر‼.


قصة قصيرة : شعوذة في الصيدلية للكاتب المغربي عبده حقي

قصة قصيرة : شعوذة في الصيدلية للكاتب المغربي عبده حقي
السيدة البدينة المتلفعة في بلوزتها البيضاء الناصعة .. تسحب قصاصة ورقية ملفوفة بإحكام عشرلفة ولفة ، من قمطرالمتجرالمحاذي لركبتيها .. تسحبها باحتراس شديد وقرأت في عينيها مايعني "سري للغاية ".
كنت في تلك اللحظة مشغولا بدس حفنة الدريهمات المتبقية من الورقة الزرقاء في جيب سروال الدجين الضيق ، المشوب بمسحة بالية عند الفتحة التي إنتفشت خيوطها من كثرة السحب والدس .. السحب والدس ، في إقتناء أموريومية بعضها عادي وأغلبها تافه جدا...
وقبل أن آخذ علب الدواء المحشوة في كيس بلاستيكي صغير، مدموغ بعلامتي الهلال والصليب المتعانقتين ، وأقذف بجسدي العليل الذي أنهكته الحمى الليلية إلى الشارع الرئيسي ، فاجأني صوت الصيدلانية قائلة :
مهلا .. مهلا سيدي ، هل لديك وقت .. لاتنصرف قبل أن أحدثك في أمرهام جدا !!
اعترتني دهشة واستغراب بالغين ، إذ كنت قد سويت كل مابذمتي في الفاتورة وعبأت مطبوع ورقة المرض بتدقيق مجهري ودمغتها الصيدلانية في كل مواضع الأختام والأرقام والمرفقات البيانية..إلخ
تساءلت في السرماذا تبقي إذن بعد كل هذه الإجراءات الروتينية التي حفظتها عن ظهرقلب كلما ترددت على الصيدلية في أول كل شهر..؟؟ ورأيت السيدة تفتح بتوأدة وحرص شديدين القصاصة الملفوفة في عشرلفات حتى لايقع ما بأحشائها على الأرض وقالت وهي تتطلع إلي باستغراب :
ـــ بالله عليك سيدي .. أنت كاتب ومثقف معروف .. يعني أشوف صورتك في الجورنال مرة مرة .. أخبرني عما يكون هذا الشيء الغريب والغامض الملفوف في حشوة هذه القصاصة .. رجاءا أسعفني .. أسعفني قبل أن تنصرف .. فقد تاهت بي الحيرة ودوختني سبل التفكير؟
وانحنيت مطأطئا برأسي قليلا وطفقت أتفحص ذلك الشئ الغريب والغامض المدسوس بين طيات القصاصة التي تشبه تميمة .. بحلقت وحملقت وأمعنت النظر كثيرا حتى جحظت عيناي لعلني أتبين مابداخلها .. هناك شيء ولاشئ في نفس الآن .. لم أفهم .. تملكتني حيرة عظمى مابعدها حيرة .. وصوت الصيدلانية البدينة مايزال يتردد في مسمعي : بالله عليك قل لي ماهوهذا الشئ المدسوس هنا ؟؟
أخيرا وبعد أن تعبت حدقتاي من فرط التحديق حاولت أن أجمع أشلاء ذلك الشئ الغريب والغامض دون أن أجرؤ على لمسه ببنان سبابتي أوحتى أن أشمه مخافة أن تشفطه أنفاس خياشيمي التي أوستعها الحمى والزكام الحاد ثم أسقط في نوبة عطسات لاتنتهي ...
طفقت أفكك ثم أجمع تلك الأشلاء بنظراتي مرات ومرات علني أضفرفي النهاية بتحديد كنه الشيء وشكله ... وظهر لي أخيرا وبعد عناء تفكيروتحديق تارة في الشيء الغامض وتارة في وجه الصيدلانية وأنا أطرح عشرات الفرضيات أنه لم يكن في أحشاء هذه القصاصة اللغزسوى أشلاء حشرة متيبسة ومتقاعدة في الموت منذ زمن بعيد .. ساقان متخشبتان وجناح مقصوف ورأس مبسطح ، مدعوس من دون شعيرتيه القائمتين اللتين يتحسس برادارها مخاطرالأحذية المتربصة ...
قلت للصيدلانية وعلامات الإستغراب ترتسم على قسمات وجهي :
ـــ هذه أشلاء حشرة لربما صرصارأوجعل أويعسوب .. لست أدري وليس هناك من عيب إن كانت بصيدليتكم صراصير، فالحشرات توجد في كل مكان حتى في المطاعم الفاخرة هناك بجواركم أوفي الفندق ذي خمس نجوم من فوقكم ..إلخ
لملمت الصيدلانية القصاصة من جديد على طياتها السابقة بعناية ووضعتها جانبا وقالت وهي تنفث زفرة قوية من صدرها العريض :
الحمد لله .. الحمد لله .. ظهرالحق وزهق الباطل ..
قلت لها في إنبهار: أي حق ظهروأي باطل زهق في أشلاء صرصارمسحوق ومات في قبرهذه القصاصة منذ زمن بعيد؟
إسترخت الصيدلانية على الكرسي الجلدي الأسود العالي ثم شبكت راحتيها خلف رأسها وقالت :
ـــ حمدا لله .. أعتبرك شاهدا وأي شاهد مقتدر..
قلت : أوضحي سيدتي لم أفهم ماتعنينه؟
القصة ومافيها أن زميلتي تلك ـــ وأومأت لي في تلك اللحظة برأسها وبغمزة من عينها اليسرى إلى زميلتها التي تجلس في الجانب الآيسر قرب السلم المتحرك ـــ زميلتي تلك .. المسمومة .. النحيلة مثل جرادة القحط التي تعتصرغيظا وحسدا من حظوتي في الصيدلية قد إدعت أن هذه القصاصة هي طلسم سحري نصبته كمينا لها بين أغراضها حتى أتمكن من السيطرة على عواطف المديروأضفرمنه ب"القبول" والمفاضلة والمكانة العالية .. هل يعقل أن أقترف مثل هذا الدجل .. ثم هل أنا في حاجة يالسي عبده إلى مثل هذه الشعوذة لأسيطرعلى قلب المدير؟ .. ألاترى هذه الجرادة أنني أجمل منها حسنا وقدا ووسامة ولست في حاجة إلى تسخير قربان حشرة بريئة وبئيسة للضفر بقلوب المديروزبناء الصيدلية ..؟
وما إن أنهت سرد حكايتها ، حتى شعرت بدوارثم زلزال يميد الأرض من تحت قدماي وشككت في وجودي إن كنت في تلك اللحظة داخل صيدلية في قلب المدينة الجديدة ال"نيو تاون" أم في حانوت مشعوذ من أسواق القرون الظلامية ؟

ودعت الصيدلانية .. كنت أمشي في الشارع وأنا أتطلع إلى العمارات الشاهقة والمتاجرالعصرية وسيارات الكات كات وأتسمع إلى اللغو الدارجي المشوب بلغة فرنسية هجينة وفي ذهني تقرع أجراس فكرة ظلت تشغلني طيلة اليوم كم من التمائم والتعويذات والطلاسم مدسوسة في أذهان هؤلاء العابرين والعابرات وفي زاويا ومخابئ وتحت عتبات هذه العمارات الشاهقة  ؟؟

 http://www.middle-east-online.com/?id=261035













 http://middle-east-online.com/?id=260883

Sample Video Widget