قصة قصيرة "بيت بيوت"صونيا عامر
الهاتف النقال يرن، إنها الساعة الثامنة والنصف صباحا، يوم الأحد، يوم
عطلتي، أرجوك نجوى، حبيبتي أنت سأكلمك فيما بعد.
-لا لا اسمعيني وصال، الطقس رائع وجلسة النادي
الصباحية لا تفوت كما تعلمين، القهوة بانتظارك لقد طلبتها لك أسرعي.
- أجننت؟! البرد قارس كيف سنجلس بالهواء الطلق!؟
سآتي حاضر، سآتي تعرفين كيف تلوين ذراعي حبي، إني قادمة، ولكن من معك؟
- شخصية جديدة ومثيرة سترين بنفسك، ننتظرك.
تصل وصال وكل وصال ودها لنجوى شبه مقطوعة لما ابتلتها
به من استيقاظ مرغم هذا الصباح، نادي؟ أي نادي في هذا البرد؟ شلة مجانين.
- صديقتي وصال، صديقتي الجديدة حوا، مسئولة
التسويق في شركة اتصالات الكبرى، وصال كاتبة يا حواء.
- حقاً؟!
- نعم، لم الدهشة؟
- لطالما حلمت بهذا اليوم، الذي التقي فيه
بأحد يكتب قصتي.
وترد وصال ضاحكة، خير يا أختي، عسى ما شر؟!
- بلا، لا بل ستحكمين بنفسك، سأرويها لك،
تصلح مسلسلا.
- وأنا على أتم الاستعداد، هات ما عندك يا
جهينة.
بداية ما الاسم الذي وددت أن يطلق عليك، إن لم تكوني
حواء؟
- زينة، وبأن أعنون روايتي بـ "رجال
حول زينة"، ليس مقارنة بالرسول عليه الصلاة والسلام، إنما لما كان من تأثير للرجال
الذين أحاطوا بي على حياتي وتحديد مسارها منذ البداية.
- بمن تحبين أن نبدأ، فلنقل والدك؟ هل هو
حي أم متوفى؟ وكيف كانت علاقتك به؟
- والدي توفاه الله مذ كنت في سن الخامسة
عشر، كنت صغيرة حينها، رحمه الله توفي مريضا بتصلب الشرايين، فكما تعلمين لم يكن لعلاج
القلب يومها الباع الكبير كما هو اليوم. عموما لا أحبه، أنا أكره والدي، والدي كان
متزوجا بسيدة قبل والدتي وأنجب منها 4 أولاد وبنت. وبعد أن تعرف بأمي تزوج منها وأنجبا
أخي الذي يصغرني بسنتين وأنا. أبي كان سلبيا جداً، كان عاشقا للنساء، يخون أمي، لكنه
لم يكن يوما يضربها، لم يتزوج بعدها وكما طلق زوجته الأولى بعد زواجه بوالدتي، لكنه
كان منحرفا، لدرجة أن أمي كانت تخاف علي منه، كانت تخاف على رفيقاتي منه، ربما كان
ذلك سبب إصرارها على تزويجنا صغارا، فأختي من أمي تزوجت بسن ألـ 15 سنة من رجل بحريني ثري ، وأنا كما ستعلمين
رمتني لأحمد الذي لطالما كرهته بسن الـ 16 عشر عاما.
- ما رأيك بوالدتك؟
- لا وفقها الله، رغم أنها طلبت أن أسامحها
وهي على سرير الموت، لكني أحيانا لا أغفر لها ما فعلت بي.
- حدثيني عن والدتك؟
- والدتي تزوجت بعمر الـ13 سنة من رجل بعمر
الـ 56، تزوجته صدفة، طلب يدها من عمها أثناء جلسة طرنيب ووافق.
أنجبت بنتين وولد وترملت بعمر 23 سنة حين تعرفت
الى أبي، أبي الذي أذاقها المر ألوان.
- ما هي نوعية علاقتك بإخوتك وأخواتك الأشقاء؟
أنا أقرب لإخوتي من أمي، فإخوتي من أبي كرهونا دائما،
عاشوا مع أمهم بعيدا عنا، علاقتنا تحسنت نوعا ما بعد وفاة والدي.
أختي شقيقتي لا تعني لي شيئا فهي كأبي. أما إخوتي
من أمي فأنا وبحكم ظروفي قريبة منهم، كونت معهم صداقة، أو بالأحرى مع أبنائهم لأنهم
يكبرونني بسنوات.
- وما مشكلتك مع أحمد، أبو أولادك ولم انفصلتما؟
- أحمد هو نتاج ضغط أمي، خطبني 9 أشهر انفصلت
فيها عنه أربع مرات، ولكن إصرار والدتي على زواجي به جعلني أرضخ رغم كل محاولاتي الفاشلة
لإنهاء الموضوع. أذكر أنني ركعت وقبلت رجلها لتقبل بفسخ الخطبة لكنها ركلتني رافضة
والحجة كلام الناس فنحن محافظون جدا.
يوم جاء الشيخ ليسألني" هل تقبلين بأحمد زوجا
لك؟"، أجبته بنعم رغم أنني سكت لدقائق كانت علي طويلة كسنين، أجبت بنعم تحت ضغط
أخوتي من أبي الذين لبوا نداء والدتي لهم بمساعدتها لإقناعي، جمعتهم المصلحة هي وأبناء
زوجها.
- ولكن لم كل هذه السلطة لامك وإخوتك، أين
والدك؟
- السلطة جاءت من وضع والدي المزري، لقد انتقل
للعيش عند أمي وأولادها، بدل أن يكون العكس، فهو عاش ومات موظفا على قد حاله، وربما
كان إحساسي بالدونية تجاه إخوتي سببه أننا وأبي وأخوتي عشنا في بيتهم.
لقد تزوجت أحمد، مكرهة، ما زلت أذكر حلاقتي، كم
ترجتني إيقاف البكاء لتتمكن من ضبط ماكياجي ولكن دون فائدة.
أما ليلة الدخلة، يا الهي فأنا غشائي مطاطي، ولم
يرى دم الحمام يفر مني بعد أن ذبحني مرات عدة الى أن امتلأ جسدي بالكدمات الزرق. كانت
الساعة 5 صباحا حين طرقنا باب دكتورتي لأثبت له أنني بنت ولم يمسني رجل قبله. وبعد
ذلك تتالت الأحداث، 16 عاما من المعاناة والاغتصاب اليومي انفصلت خلالها منه مرات ثلاث الى أن نلت حريتي أخيرا وأنا بعمر 31
سنة وعندي بنت وولد، لم أسمح له بتقبيلي يوما ولم يلمس صدري ورغم الحبوب المانعة للحمل
أثمرت اثنين. أعيلهم وأعيل نفسي كما كنت أعيله أيضاً.
- هذا جيد، تحررت أخيرا، ما مشكلتك الآن؟
- لا أشعر بالأمان، أنا اشتغلت على نفسي،
تعلمت توظفت ونلت مراكز جيدة بالعمل، ابنتي الكبيرة تزوجت من حبيبها وحبيبي عبدالله
صغيري يعيش معي. أبحث عن الاستقرار، تعرفت على رجل جيد ولكنه من غير ديني ولا أمل لنا
بالزواج ولكني وكما قلت لك ينقصني الإحساس بالأمان، لذا ما زلت أبحث. لم استطع تحديد
شعوري يوم فرح ابنتي، جلست كضيفة على المقعد، تختلجني مشاعر كثيرة مضطربة، غيرة، حب،
سعادة، ألم، وكل تلك المشاعر صبت في خانة واحدة، أمي، سامحها الله. لم أكن أستطيع المشاركة
بأفراح، أكره الثوب الأبيض. ابنتي تلك، صديقتي ورفيقتي، لقد ذاقت المر ألوانا لدرجة
أن الجميع ظنوا بأنها تعاني من مشكلة بطء في التعلم ولكنها أثبتت للجميع تفوقها،لكم
عانت من مشاكلنا، وها هي اليوم سيدة نفسها سعيدة مستقرة مع شاب أحبها مذ كانا رفيقين
أيام الجامعة.
- ما برجك؟
- أنا الدلو
- مع أنك هوائية ، إنما واضح أنك تزينين الأمور،
فبرغم الظروف لم يستطيعوا أن يسرقوا منك إحساس الأمومة!.
- لا ولا حتى استطاعوا أن يسرقوا مني إحساس
الأنوثة. لطالما كان في حياتي رجل وإن كان من خيال.
- كيف تحددين شكلك الحالي مربع مستطيل متوازي
الأضلاع؟
- دائري مرن
flexible
- كيف ترين النهاية؟
- مفتوحة.
إنما لدى زينة استفسار، ما معنى سؤالك، كيف ترين
شكلك الحالي، حالتك، أظنني ظلمت نفسي بتشبيه تفكيري الحالي بالدائري، فأنا صاحبة مبدأ.
سأعدل أقوالي:
- أنا مربع، متساوي الأضلاع، عادلة مع الكل
حتى مع نفسي.
- لم القلق؟
- الأمان المادي.
- تركت عملي عدة مرات بسبب الضغط والتحرش
الجنسي والتزوير وغيرها.
- مثل؟
- وضعي كمطلقة سبب لي العديد من المتاعب،
لم يعرف أحد حينها علاقتي بكريم، الذي كان وما زال يحميني. وضعي مع كريم مستمر بسبب
خوف الاثنين من الخسارة.
- كريم ووالدته وزوجته قريبته المنفصلة عنه
وتقيم بنفس البيت؟.
- هو شديد الحرص على أن يعيش كأعزب وأن يذهب
الى منزله للنوم فقط.
- هل تتمنين أن تجدين بديلا عنه؟
- أحيانا نعم، حاليا الوفاء هو ما يجمعنا،
إنه أهم من الحب على ما أعتقد، أتمنى أن يكون معي هو نفسه كزوج، بصفته الشرعية والدينية
وليس كصديق أو مجرد معيل. منذ فترة انفصلنا
بسبب إصراري على اعتناقه الإسلام ورفضه لترك المسيحية ، مما سبب له المرض، دخل المستشفى،
لإجراء عملية بالمرارة وطلب أن يكلمني هاتفيا من عمان قبل أن يدخل غرفة العمليات، وحينها ورغم أنني لم أصدقه ، خفت
يومها أن يكون كاذبا، مجرد محاولة منه لنعود لبعضنا البعض، كنوع من أنواع الابتزاز
العاطفي.
ولكن الدكتور أعلمني بأنه مريض حقاً.
واتصلت علي مكتب السفريات وحجزت تذكرة
ولم أجد رحلة مباشرة، ذهبت ترانزيت، عبر بيروت ووصلت ٨:٣٠ بالليل. قدمت
إجازتي ولو لم يوافق عليها كنت مستعدة حتى أن أقدم استقالتي لمجرد السفر وللقاء به.
كما أنني دخلت الى مديري بالورقتين معا، وقلت " هذا طلب إجازة مستعجلة اضطرارية
وهذه استقالتي"، لكنه تفهم ومنحني فرصة يومين. ذهبت الى البيت، وضعت ما تيسر من
ملابس في حقيبة صغيرة وكنت في المطار بعد ساعتين.
وأعلمت الخادمة بالسفر المفاجئ ووصلت عمان تمام ٨:٣٠ ولم اعرف في أي مستشفى كان؟ وهناك
علمت بأنها تبعد ، ساعة ونصف بالسيارة، غرفة 119 ، الإنعاش.
- حوا؟ وتصيح أم كريم.
- أمي حوا من؟
- أنا سأذهب يا كريم ما دامت حوا معك.
- هل تصالحتما؟
- لا، بعد عدة أشهر ولا أذكر كيف، بلى ابنتي
تدخلت لمصالحتنا، وكان ذلك يوم عيد ميلادي
" نعتته بأقبح الصفات، قذفته بأكبر الشتائم وكدت أكسر الهاتف النقال لحظة ركلته
بقدمي، معاتبة إياه إهماله لرسائلي للاطمئنان عنه، حين سمعته يجيب بحنان الكرة الأرضية
مبتسما "أبدا، لقد اشتقت لسماع صوت"، هكذا تصالحنا.
- لا تتقبلين المسيحية؟
- ليس لشيء ، إنما أنا أم لاثنين وما سأفعله سينعكس حتما اجتماعيا عليهما،
بالطبع بلى، فهو دين منزل، أقبله وأحترمه.
- هل كان لديك إحساس بالذنب، ما سبب إصرارك على الزواج؟
- كنت أشعر أنه من حقي أن أتزوج كغيري وأحب.
لم لا تكتمل علاقتنا بالشكل الصحيح؟ هو متشدد وأنا أيضا وما يربطنا طيب المشاعر.
- سبب الإصرار هو رفض الفشل ثانية؟ أم انك
ترفضين فكرة الحب دون زواج؟
- لا يحب فكرة تواجدنا في المجتمع معا، حتى
مع أصدقائنا، يقلقه المظهر الاجتماعي، متعصب!.
- أصحاب، أم مقربون من ناحيتك فقط، يشعر بالحرج ربما! عموما لا تغضبي له
أسبابه مؤكد.
- ربما.
0 التعليقات:
إرسال تعليق