الجمعة، 28 فبراير 2014

مـــــحمـــــــــد : عبد السلام خلفي


كان عمره بالكاد يتجاوز الأحد عشر سنة. ناداه والدُه:
-          يا محمد، يا محمد.
أحس محمد بالأرض تميد من تحت رجليه. هذه هي ساعة "العرض". تقدم بخطى متثاقلة إلى باب البيت حيث يوجد الوالد. لقد كان جالساً على جلد كبش، وفي يده عصا طويلة من غصن الزيتون.
-         أُدْخُل، هل التصقت رجلاك بالأرض. هيا...
تقدم محمد يجر رجليه جراً. وقف أمام الوالد مرتعداً.
-         اجلس أمامي... هل حفظت سورة الرعد؟
تلعثم محمد، أراد أن يقول شيئاً، لكن الوالد لم يتركه،
-         هيا إقرأ..
بدأ محمد في القراءة:
-         باسم الله الرحمان الرحيم، ألف لام ميم را...
توقف قليلاً... أراد أن يواصل... تلعثم... أعاد ترديد بداية السورة ... ألف لام ميم را... لم يعرف الطريق... نسي كل شيء... شعر بضربة غصن الزيتون تحيط بجسده.
-         ألم أقل لك أن تحفظ ألف لام ميم... ماذا أصنع بك الآن؟
كانت الوالدة ثلايتماس واقفة عند الباب... كانت تتضرّعُ إلى الزوج السي محند أن يمنحه فرصة أخرى... كانت تقسمُ له أن ابنها ظل يحفظ طيلة اليوم، ولكنه نسي كل شيء من شدة الخوف ...
-         اذهبي يا امرأة... قلتُ لكِ اذهبي وإلا قمت إليك...
واصلت تضرعها إليه غير مبالية بتهديده.
-         "أنَا عَوْريتَكْ جّيثْ"...
قام من مكانه منتفضاً... أغلق الباب بالمزلاج ثم قفل راجعاً إلى الابن الذي تركه  يتضور ألماً... من الخارج كانت تلايتماس تسمع صياح ابنها محمد ممتزجاً بترتيل قراءة القرآن، ... وحتى تخفف من لوعتها كانت "توحد الله"، ثم تعود لتتضرع إلى الزوج.
لقد كان فصل الصياح والترتيل هذا يستغرق المساء كله وقسطاً كبيراً من الليل... كان يبدأ من وقت صلاة العصر وينتهي بصلاة المغرب؛ ثم يبدأ، مرة أخرى، بصلاة المغرب لينتهي بصلاة العشاء. صياح وترتيل في الداخل وصياح وتضرع في الخارج.
فجأة عم صمتٌ رهيب داخل البيت  ... توقفت تلايتماس عن التضرع... أصاخت بسمعها... توقفت أنفاسُها... انفتح الباب أمامها... خرج الزوجُ مهرولاً... اتجه إلى المسجد ليشهد صلاة الجماعة... وخرج محمد يمشي على أربع... ضمّته إلى صدرها وأخذت تبكي.. فتشت ظهره وصدره ورجليه... فتشتهُ وهي تسأل متلهفة:
-         هل ضربك هنا؟ أين، أين يا ولدي؟ هل تحس بالألم هنا؟
لم يكن محمدٌ يجيب... كان يُحملق فيها بعينيه الصغيرتين، ويحاول إبعادَها عنه بيديه الذابلتين... جفت في عينيه الدموع... كان يبدو نحيفاً وقصيراً وتعلو وجنتيه صفرةٌ آخذة في الانطفاء...مرَّرَت يديها من تحت جلبابه الرث المرقع... صاح من شدة الألم... ضمته إليها، وأطلقت عنانها للعويل... أمسك بيدها، وضع عليها قُبلة، وقال لها:

-         وارْ اسْ فهيمغْ أيمّا.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 http://www.middle-east-online.com/?id=261035













 http://middle-east-online.com/?id=260883

Sample Video Widget