"ياسادتي الأولياء مابها الأكف
شاخت ومسختها الدعوات
"
لم تعد المقهى بتيراساتها
الفسيحة ولاكراسيها الوثيرة ولا نوادلها الظرفاء تثير رغبة فيه للمكوث بها فترات أطول
لاحتساء فناجين القهوة المرة وتدخين عشرات اللفافات ذات التبغ الرديء, ولم تعد الثرثرة
وباء يصيب رواد المقهى بفعل داء الصمت والانزواء الذي أصاب الزبناء , ولم تعد الصفحات
الأخيرة من الجرائد ذات التوجه اليساري تزند رغبة التغيير بدواخله.. تغيير العالم من
حوله وهو الحالم بالفوز بمنصب شغل بإحدى الإدارات العمومية التي أعلنت مؤخرا عن مباراة
في الموضوع ..ولم تعد المقهى ملاذا للكلام
وممارسة النميمة الاجتماعية والسياسية
والاستمتاع بكنوز الشرق من أغاني وغيرها , المقهى أصبحت مجرد مربعات مظلمة للانزواء
وتركيز النظر على شاشات تقدم كل شيء بلا طعم
ونوادل غزت روحهم هشاشة متقدمة بعدما كانوا شبه نحلات توزع الطلبيات بخفة روح
وابتسامات حقيقية رغم ما يتقاضونه من بقشيش مقابل خدمات كبيرة للزبناء
, أصبح الزمن غير الزمن والمقهى مجرد فضاء لتكريس اللاذات ومحاولة التشبث بقيم
مؤخرة العولمة من خلال استخدام آخر ما استجد
في العالم الآيبادات ووسائل التواصل وتسريحات الشعر والملابس , وهو يسترجع هذه الخواطر
بذهنه عنت له الشهادة التي كانت أمه تتباهى
بها أمام جاراتها الشهادة غدت غير ذات قيمة مع توالي السنين , الآن اكتسب صفة مزمن
في عطالته الجبرية حتى أصبح عالة على نفسه وعلى غيره , لم يعد يقو على رد النظرات الرصاصية
لكل من حوله في أزقة الحومة وفي المقهى وحتى داخل رأسه يحس كأن عيونا مبثوثة بكل مسامه
تراقب تقاعسه وتحصي كسله ولامبالاته أصبح مهادنا ولم يعد مرجلا تغلي بدواخله الأفكار
والطموحات والانكسارات والانتظارات شعلة من
نار كان هو, قبس من نور كان هو, كل شيء تهاوى على هوة سحيقة في صلبه مع توالي الأيام
وانسداد الآفاق وبروز علامات شيخوخة لاتخطئها العين على مايبدو من جسده المنهك بفرط
السهر وسوء التغذية والنظرات اللعينة وكلام السوء ..لامفر اليوم من التفكير في الغد
ولكن كيف السبيل إلى ذلك وهو المكبل بقيود غير مرئية وهو الرقم السلبي ضمن سلسلة أرقام
أخرى يطحنها زحف الوقت ومسكن الانتظار الفارغ والمواعيد العرقوبية والقرارات اللامسؤولة
لمسؤولين غير مسؤولين عما يقع ..ضج رأسه بهذه الأفكار السوداوية من قبيل لاقيمة لحياة
نرفض أن نموت من أجلها وأن العيش بكرامة أفضل من السباحة في مستنقع الانتظار وأن النضال
أصبح عملة غير رائجة في سوق الانتهازية واستنساخ الصفات وميوعة المشهد برمته .فهل يخرج
شاهرا سيفه على الناس في ساحة وغى غير موجودة
؟ وهل يعلن حربا على عدو غير معلن ؟ آه لو كانت العطالة امرأة لتقدم لخطبتها بحفنة
تراب كمهر وتزوجها حسب مايقتضي الزواج ولكن العطالة مارد من نار يقض مضجعه ليل نهار
, تنين هي يفترس أحلامه أمام ناظريه وهو لايحرك ساكنا , كل مغريات محيطه أصحبت متجاوزة
لافكاك سوى منصب عمل قار وراتب شهري قار ووضع اعتباري قار لاشك هو يدري أنه يسبح في
عالم أحلام لاقرار له سوى الخواء الذي يعمر جيوبه ونظرات ممن حوله وقلة حيلته وعدته
, وما "أكله" من عصا أمام مؤسسة يحترمها كثيرا على يد العسس ذات اعتصام
, قد تعن له فكرة عابرة مجنونة كأن "يحرق " إلى بلاد العجم حيث الجنة الموعودة
وقد يتراجع عن مجرد التفكير في الأمر ويمني النفس بأن الهجرة لم تخلق لأمثاله هو الكائن
الحالم بتغيير العالم بزرصغير ..كل أفكاره أصبحت متجاوزة مع مرور الزمن وهو العاطل
المعطل من درجة مزمن ومهدد بالاقتراب من منطقة التقاعد الجبري قبل الأوان .
0 التعليقات:
إرسال تعليق