قصة قصيرة :محـــــــمد (3) عبدالسلام خلافي
بدأ الظلام يسدل أستارهُ على قرية "اتشوكت" وعلى وديانها العميقة وجبالها العالية المحيطة... انتبهت "تلايتماس" إلى أن محمداً لم يدخل البيت لحد الآن... انقبض قلبها... وضعت "محمادي" على المصطبة الخشبية ووقفت في المدخل الخارجي للباب... أصاخت بسمعها في الظلمة علّ ابنها يظهر لها... هي الآن وحدها في البيت... زوجها ذهب إلى المسجد لصلاة المغرب ولن يعود إلا بعد العشاء... فكرت أن تذهبَ إلى جارتها "زورا ن حدّو أومونا"، زوجة "صاعف" لتساعدها على البحث عن محمد... تأملت في حلكة الليل الدامس... لا شيء غير الظلام... فكرت في الضباع التي تنطلق ليلاً تذرعُ الأودية العميقة بحثاً عن فريسة... ارتعدت فرائسُها... تخيلت ابنها فريسة بين أنياب ضبع شرس... لم تشعر إلا وهي تضع وليدها "محمادي" على الظهر وتنطلق به ... تخطّت باب بيت "زورا"... هو ليس في الحقيقة باباً... بل هو عبارة عن كومة من الأحجار المسننة المحاطة بأشواك حادة موضوعة بعناية أمام مدخل متهدم درءاً للحيوانات المفترسة... نادت بملء صوتها:
- زورا، زورا ، زورا...
أطلت "زورا" من فوق الحائط الحجري الآيل للسقوط:
- من؟ من هناك؟
أجابت تلايتماس:
- نش ذ تلايتماس؛ أ أوتشمَ إينو إودّار ييي محمذ إنو... يفغ أكذ أوعشي وار د إيذوير... (أنا تلايتماس؛ أُختاه، لقد ضاع مني محمد... خرج في المساء ولم يعد لحدّ الآن..)
كانت " زورا " من النساء المسترجلات ... قوية البنية... قمحية اللون... ذات شعر خفيف منسدلٍ يميل إلى الحمرة... تلبسُ، كعادة نساء القرية الفقيرات، لباساً قصيراً مرقعاً لا يتجاوز طولهُ الركبتين ... امرأة حُرّة بكل ما تعنيه الكلمة "حُرة"... تخرجُ في أي وقت شاءت، وتدخل أي وقت شاءت... لم يكن زوجُها "صاعف" يفرضُ عليها أي شيء... كانت معتزة بنفسها... لا تخاف... لديها قدرة عجيبة على مواجهة الأخطار... ولذلك كان يُقدرها ويحترمها... أحياناً عندما كانت تجده وهو بصدد تدخين "السبسي" تحت شجرة الزيتون الكبيرة، كانت تأخذ مجلساً إلى جانبه وتبدأ في التدخين معه... لم يكن "صاعف" يغضبُ لذلك ولم يكن يعيبُ عليها سلوكها... كيف لا وهي الزوجة-الحليف التي بها يواجهُ الأعداء... حدث مرة أن اتفقت جماعة "آيت تزناشت" بتواطؤ مع "آيت تشوكت" على أن يأخذوا منهما البقرة الوحيدة التي يمتلكانها لذبحها بمناسبة "اللامث" (عيد ميلاد الرسول)... كاد "صاعف" أن يستسلم... لكن "زورا" رفضت رفضاً باتاً أن تُسلِّم البقرة... هددوها... فحملت ما تقدرُ عليه من أحجار صماء مُسنّنة وبدأت المعركة... لقد كانوا في البداية خمسة رجال أشداء... جاءوا للاستيلاء على البقرة... حاولوا في البداية مقاومتها، لكن دقة تسديداتها وعنف ضرباتها جعلتهم يتراجعون ويأتون بالمدد... جاءوا بأكثر من عشرة أشخاص آخرين... ورغم ذلك لم تستسلم... اتخذت لها موقعاً استراتيجياً وراء كومة من الصخور... ومن هناك هاجمتهم بعنف... أحجارٌ صماءٌ مُسنّنةٌ كانت تتساقط على رؤوسهم كالمطر... وإلى جانبها "صاعف" الذي كان يمدها أحياناً بأحجار أخرى، وأحياناً كان يلقيها عليهم... تراجعت كتيبة الرجال المهاجمين... وانطلقت "زورا" على إثرهم، يحميها "صاعف" من الظهر... ردتهم على أعقابهم مذلولين والدماء تسيل من رؤوسهم على وجوههم... منذ ذلك اليوم لم تعد الجماعةُ تطلبُ شيئاً من "زورا"... لقد خبروا قوتها وعرفوها...
لم تكن هذه هي المرة الوحيدة التي واجهت فيها "زورا" الرجال... لقد واجهتهم أكثر من مرة وفي أكثر من محطة... وكان الانتصارُ دائماً حليفها... ذات يوم بينما كانت تقطف حبات من فاكهة الصبار المجاور لبيتها، سمعت صوت "صاعف" يستغيث... كان الصوت يشي بأن صاحبهُ يكاد يختنق... قفزت من أعلى شجرة الصبار، واتجهت تجري إلى منبعث الصوت داخل بستان للوز والخوخ... لقد كان زوجها ممددا على الأرض منهاراً ويعلوه "بّاحارمُش" في حين يجرّه من الرجلين "بّا زِمّو" جرّاً عنيفاً... صاحت فيهما بكل ما تملك من قوة... ضربت الأول بحجرة فأوقعته بلا حراك... حاول الثاني الهرب... التقطت عصا ووجهته إلى ما بين رجليه بخفة بالغة، فتعثر ثم سقط... أخذته من تلابيب صدره إلى صدرها وقذفت به بقوة وسط أشجار الصبار الشائكة... لملمَ صاعف ملابسه الممزقة وقام إليها من مكانه، وقال لها:
- مري وار توسيذ إري نغين اي إمشومن ا (لو لم تأتين في الوقت المناسب لقتلني هذان المجرمان).
لم تلتفت إليه، أخذت العصا الذي أسقطت به "بّا زمّو" وضربت به "بّاحارمش"، مرة أخرى، إلى الرأس... ثم عادت أدراجها يتبعُها زوجُها "صاعف" يجر وراءه عباءته الممزقة.
لقد كانت "تلايتماس" تربطها علاقة صداقة وطيدة بـ "زورا"؛ وكانت هذه الأخيرة لا تردُّ لها طلباً؛ ولذلك فهي لم تتردد لحظة في أن تستجيب لها لما سمعت نداءها من وراء الحائط المتهدم؛ لقد تمنطقت حزامها الجلدي الذي تستعمله عادة في الملمات، وأخذت عصاها الغليظة المشذبة التي تستعملها في حروبها ضد المعتدين، وانطلقت في الليل البهيم مع صديقتها للبحث عن محمد.
بدأ الظلام يسدل أستارهُ على قرية "اتشوكت" وعلى وديانها العميقة وجبالها العالية المحيطة... انتبهت "تلايتماس" إلى أن محمداً لم يدخل البيت لحد الآن... انقبض قلبها... وضعت "محمادي" على المصطبة الخشبية ووقفت في المدخل الخارجي للباب... أصاخت بسمعها في الظلمة علّ ابنها يظهر لها... هي الآن وحدها في البيت... زوجها ذهب إلى المسجد لصلاة المغرب ولن يعود إلا بعد العشاء... فكرت أن تذهبَ إلى جارتها "زورا ن حدّو أومونا"، زوجة "صاعف" لتساعدها على البحث عن محمد... تأملت في حلكة الليل الدامس... لا شيء غير الظلام... فكرت في الضباع التي تنطلق ليلاً تذرعُ الأودية العميقة بحثاً عن فريسة... ارتعدت فرائسُها... تخيلت ابنها فريسة بين أنياب ضبع شرس... لم تشعر إلا وهي تضع وليدها "محمادي" على الظهر وتنطلق به ... تخطّت باب بيت "زورا"... هو ليس في الحقيقة باباً... بل هو عبارة عن كومة من الأحجار المسننة المحاطة بأشواك حادة موضوعة بعناية أمام مدخل متهدم درءاً للحيوانات المفترسة... نادت بملء صوتها:
- زورا، زورا ، زورا...
أطلت "زورا" من فوق الحائط الحجري الآيل للسقوط:
- من؟ من هناك؟
أجابت تلايتماس:
- نش ذ تلايتماس؛ أ أوتشمَ إينو إودّار ييي محمذ إنو... يفغ أكذ أوعشي وار د إيذوير... (أنا تلايتماس؛ أُختاه، لقد ضاع مني محمد... خرج في المساء ولم يعد لحدّ الآن..)
كانت " زورا " من النساء المسترجلات ... قوية البنية... قمحية اللون... ذات شعر خفيف منسدلٍ يميل إلى الحمرة... تلبسُ، كعادة نساء القرية الفقيرات، لباساً قصيراً مرقعاً لا يتجاوز طولهُ الركبتين ... امرأة حُرّة بكل ما تعنيه الكلمة "حُرة"... تخرجُ في أي وقت شاءت، وتدخل أي وقت شاءت... لم يكن زوجُها "صاعف" يفرضُ عليها أي شيء... كانت معتزة بنفسها... لا تخاف... لديها قدرة عجيبة على مواجهة الأخطار... ولذلك كان يُقدرها ويحترمها... أحياناً عندما كانت تجده وهو بصدد تدخين "السبسي" تحت شجرة الزيتون الكبيرة، كانت تأخذ مجلساً إلى جانبه وتبدأ في التدخين معه... لم يكن "صاعف" يغضبُ لذلك ولم يكن يعيبُ عليها سلوكها... كيف لا وهي الزوجة-الحليف التي بها يواجهُ الأعداء... حدث مرة أن اتفقت جماعة "آيت تزناشت" بتواطؤ مع "آيت تشوكت" على أن يأخذوا منهما البقرة الوحيدة التي يمتلكانها لذبحها بمناسبة "اللامث" (عيد ميلاد الرسول)... كاد "صاعف" أن يستسلم... لكن "زورا" رفضت رفضاً باتاً أن تُسلِّم البقرة... هددوها... فحملت ما تقدرُ عليه من أحجار صماء مُسنّنة وبدأت المعركة... لقد كانوا في البداية خمسة رجال أشداء... جاءوا للاستيلاء على البقرة... حاولوا في البداية مقاومتها، لكن دقة تسديداتها وعنف ضرباتها جعلتهم يتراجعون ويأتون بالمدد... جاءوا بأكثر من عشرة أشخاص آخرين... ورغم ذلك لم تستسلم... اتخذت لها موقعاً استراتيجياً وراء كومة من الصخور... ومن هناك هاجمتهم بعنف... أحجارٌ صماءٌ مُسنّنةٌ كانت تتساقط على رؤوسهم كالمطر... وإلى جانبها "صاعف" الذي كان يمدها أحياناً بأحجار أخرى، وأحياناً كان يلقيها عليهم... تراجعت كتيبة الرجال المهاجمين... وانطلقت "زورا" على إثرهم، يحميها "صاعف" من الظهر... ردتهم على أعقابهم مذلولين والدماء تسيل من رؤوسهم على وجوههم... منذ ذلك اليوم لم تعد الجماعةُ تطلبُ شيئاً من "زورا"... لقد خبروا قوتها وعرفوها...
لم تكن هذه هي المرة الوحيدة التي واجهت فيها "زورا" الرجال... لقد واجهتهم أكثر من مرة وفي أكثر من محطة... وكان الانتصارُ دائماً حليفها... ذات يوم بينما كانت تقطف حبات من فاكهة الصبار المجاور لبيتها، سمعت صوت "صاعف" يستغيث... كان الصوت يشي بأن صاحبهُ يكاد يختنق... قفزت من أعلى شجرة الصبار، واتجهت تجري إلى منبعث الصوت داخل بستان للوز والخوخ... لقد كان زوجها ممددا على الأرض منهاراً ويعلوه "بّاحارمُش" في حين يجرّه من الرجلين "بّا زِمّو" جرّاً عنيفاً... صاحت فيهما بكل ما تملك من قوة... ضربت الأول بحجرة فأوقعته بلا حراك... حاول الثاني الهرب... التقطت عصا ووجهته إلى ما بين رجليه بخفة بالغة، فتعثر ثم سقط... أخذته من تلابيب صدره إلى صدرها وقذفت به بقوة وسط أشجار الصبار الشائكة... لملمَ صاعف ملابسه الممزقة وقام إليها من مكانه، وقال لها:
- مري وار توسيذ إري نغين اي إمشومن ا (لو لم تأتين في الوقت المناسب لقتلني هذان المجرمان).
لم تلتفت إليه، أخذت العصا الذي أسقطت به "بّا زمّو" وضربت به "بّاحارمش"، مرة أخرى، إلى الرأس... ثم عادت أدراجها يتبعُها زوجُها "صاعف" يجر وراءه عباءته الممزقة.
لقد كانت "تلايتماس" تربطها علاقة صداقة وطيدة بـ "زورا"؛ وكانت هذه الأخيرة لا تردُّ لها طلباً؛ ولذلك فهي لم تتردد لحظة في أن تستجيب لها لما سمعت نداءها من وراء الحائط المتهدم؛ لقد تمنطقت حزامها الجلدي الذي تستعمله عادة في الملمات، وأخذت عصاها الغليظة المشذبة التي تستعملها في حروبها ضد المعتدين، وانطلقت في الليل البهيم مع صديقتها للبحث عن محمد.
0 التعليقات:
إرسال تعليق