الخميس، 30 سبتمبر 2010

الأيام السبعـة (نص صوفي) :محمد أسليم



1. الأحـــــد

1. سألته ما الـدين؟ قال: «حبّ الغيـر».

2. سألته ما الدين؟ قال: «حديث أنس في وحشة سفر لتبديد سَفَر الوحشة».

3. سألته ما الدين؟ قال: «بداية ووسط ونهاية؛ بدايته شُغل النفس بالنفس عن الناس، أوسطه شغل النفس بالنفس عن النفس، نهايته: شغل النفس بنفس النفس عن النفس». وفي حديث آخر: «هو أن يبلغ حب الناس بالمرء ما يبلغ إلى أن يعتزلهم إمعانا في حبهم، ثم يلج ميدانا له باب ووسط ونهاية، أما الباب فشغل النفس بالنفس عن النفس، أما الوسط، فشغل النفس بالنفس عن النفس، وأما النهاية، فشغل النفس بنفس النفس عن النفس».

4. سألته ما الدين؟ قال: «صوتي في الإنسان»، قلتُ: ولكنه يفنى ولا تفنى، قال: «إن قلتَ الإنسان فان فقد كفرتَ بنفسِكَ».

5. سألته: ما الإلحاد؟ قال: «إن أحببتُ عبدا وشئتُ ابتلاءه، أسبلتُ عليه حلة من الإلحاد والكفر، وأرسلته بين البشر، أختبر إيمانه، فيستغرق في عبادتي، داخل إلحاده وكفره، لا يحزنه حزن الملائكة ولا يسعده فرح الشياطين، لأنه يكون قد استغنى عن الحزن والفرح بهما داخل عبادته».

6. سألته: ما الإلحاد؟ قال: «إذا ابتلى الله قوما أرسل إليهم رسولا ينشر بينهم صحف الكفر، فيستغرقون في اتباعه، دون أن يثنيهم عن ذلك استنكار أنبياء الدين ولا ضحك متنبئي الإلحاد».

7. سألته: زرعتَ الشهوات، وقلتَ لا تقرب، ونشرت العشب، وقلت: لا تقرب، وبسطت البحر، وقلت لا تركب، قال: «ما منعتها إلا لأنها تغير رسوم الطبيعة. كل ما منعته عن العبد فهو لي. لا تقربوا الممنوعات، فإنها إلي محبوبات! لا تقربوا المحظروات، فإنها رَبَّات».

2. الاثنيـــن

1. بينما كنتُ مستغرقا في حضرته أفلتت مني خزرة، فإذا برابعة أفلتت منها خزرة، فرأتني وقد أفلتت مني خزرة، فإذا بي أرى أنها رأت أني رأيتها. كأننا كنا بتبادل الخزرات في حضرته على ميعاد. قلتُ لها: أخاشعة في حضرته، مستغرقة في وجهه وتسترقين النظر، فترين أني سرقت النظر وأنني رأيت أنك سرقت النظر وأنني رأيتُ أنك رأيتِ أني رأيتُ أنك رأيتِ أنني رأيتُ أنك رأيت أني رأيتُ أنك رأيتِ أنني رأيتُ أنك رأيتِ أني رأيتُ أنك تسرقين النظر؟ قالت: «لما رأيته فتحت لي نافذة، ولما رأيتك فتحتْ لي نافذة» !

2. قلتُ له: أغرقتني في بحور الخواطر، وأمسكت عني قواربها، فما أصل الشواطئ إلا بمر السنين، فهل صرتُ عرافا؟، قال: «اسأل الثريا وأسماء وسعد السعود!»

3. حدثت نفسي عن نفسي قالت: صوت الندى، صمت الندى، طيف الندى، صبح الندى، ظهر الندى، فجر الندى، نور المدى.

4. حدثتني نفسي عن نفسي قالت: أنا البحرُ، في السطح في القعر، في الفجر في الظهر، في الصبح في العصر، في النهي في الأمر، في الحر في القرّ».

5. شكوت إليه كثرة الناس، قال: «لا تقلق، فثمة دائما مكان للإقامة بينهم».

6. سألت العزلة قالت: «لا تأمن جانبي، فإني أبلو المحتمين بي بكثرة الزائرين، فكم من متعبد ابتليته، فدوخته كثرة الزوار والمتبركين الذين يستللون إلى عقله من الجدار».

7. شغلت عن الناس بنفسي، شغلني الناس عن نفسي، سألت نفسي: أين نفسي؟ قالت: في نفسي!

3. الثلاثـــاء:

1. سألتُ: ما الإنسان؟ قيل حيوان اجتماعي، قال: «وحدها الحيوانات كائنات اجتماعية، أما الإنسان، فمحض فكرة لم تتحقق بعد، ومع ذلك تطاولت على ممتلكات الغير. إني الآن لمستغرق سؤال: ماذا لو تحققت هذه الفكرة؟»

2. سألني: ما عنوانك؟ قلت: «قبالة غيم تحته حزم تحته عزم، وسط محمي بهم منهم دون علمهم، ومحميين بي مني دون علمي».

3. سألني: «ما هذا؟»، قلتُ: رسمٌ، خاطب الرسم، قال: «أيها المفترش ضاية ماء، ملتحف جلبابه، تجمهرت الحروف أمامه مثل سرب أسماك في الأعماق؛ أما آن لك أن تستفيق؟ !»

4. سألته: ما الطريق إليك؟ قال: «طريقي محفوف بالأشواك، طريق الشيطان محفوف بالأشواك، طريق الإنسان محفوف بالأشواك، وطريق الأشواك محفوف بالأشواك! ومع ذلك لا تيأس !.»

5. سألته من أنت؟ قال: «أنا البحر، الخارج بئر والداخل بحر».

6. حدثتني نفسي عن نفسي قالت: لما عرفت الناسَ ابتلعني البئر، ولما عرفت نفسي ابتلعني البحر. رجل في بئر ورجل في بحر، ما القول؟ أهذا قبر أم أين القبر؟

7. سألته: لي الآن أربعون، وللأربعة والأربعين أم، فما أكون عندها؟ قال: «انظر الاسم والرسم»!

4. الأربعـــاء

1. سألته: اعتزلت الناس، فغرقت في نفسي، واعتزلت نفسي فغرقت نفسي، فهلا أشقفت ورفتَ عنا العازول؟! قال: «العزلة درجات أنت الآن في أدناها، والعازول درجات أنت الآن في أقصاها !»

2. رأيت الموت لا يموت فحننتُ إلى الخلود، فسألته: هلا تفضلتَ وأكرمتَ بأن جعلتني موتا؟، قال: «أما رأيت الموتَ في كل يوم يموت؟»، وفي رواية أخرى: «إنما أنت موت في كل يوم يموت!»

3. قلتُ: تلاطمت علي الأمواج، إني الآن غريق، قال: «سبحانك أو لم تفطن بعد إلى أنك حذاء في قدم غريب!»

4. سألته: غيرت الأمكنة فارا من نفسي، فما وجدتُ في الأمكنة قاطبة سوى نفسي، قال: «ذاك ما تقوله الأمكنة !».

5. سألته: غيرت الأمكنة باحثا عن نفسي، فما وجدتُ سوى نفسي. (أو) فررتُ من نفسي، وغيرتُ الأمكنة، فما وجدتُ في أي مكان قصدته إلا نفسي وقد سبقتني إليه وجلست في انتظاري، قال: «ذاك ما تقوله الأمكنة !».

6. رجوته، طابَ الألم، وزادت به النفس انتشاء، نهرني قائلا: «أو ذقته ولم أشرع في توزيعه على العباد بعدُ؟!»

7. حدثتني نفسي عن نفسي قالت: أنا الشمسُ، شمسُ البزوغ، شمس الشروق، شمسُ الصباح، شمسُ الزوال، شمس الضحى، شمس الأصيل، شمس الأفول، شمسٌ في سبع وسبع في شمس!! وحدة في سبع، وسبع في وحدة! وفي حديث آخر قالت: «أنا أنا، أنا أنا، أنا، بدر السنا، نجم الهَنا، صبح الهنا، ظهر المُنى، عصر الكنى، فجر الدّنا».

5. الخميـــس

1. سألته: ما الفرق بين الطفل والرجل؟ قال: «ما يفصل بينهما سوى كون الطفل رجلا صغيرا، والرجل طفل كبير».

2. حدثتني قالت: «الناس محجوبون بعضهم عن بعض، فمن شف حجابه فتحت له أبواب الدنيا، ومن كثف حجابه، فتحت له أبواب الأخرى»، وفي حديث آخر: «من كثف حجابه فتحت له أبواب الجنة ومن شف حجابه فتح له باب الأرض».

3. حدثتني قالت: «لا فقر إلا فقر النفوس ولا غنى إلا غنى النفوس، رأيت الناس رجلين: رجل يبسط يده، فيحسبه الناس غنيا، وهو لا يملك قوت غده، فذاك هو الغني، ورجل يغلها إلى صدره، فذاك هو الفقير وإن بلغت ثروته الملايير، وقال الناس عنه ما قالوا».

4. شكوت إليه الفقر، ساق إلي كنوز الأرض قاطبة، قلت له: ذا كله؟! فوق حاجتي، هللا أتصدق؟ قال: «أو يتصدق شحاذ على شحاذ؟!»

5. شكوت الفقر، ساق لي كنوز الأرض قاطبة، ثم حظر عني الخروج، قلت: وما تنفع السجين أن يملك أموال الدنيا؟ قال: «لتذوق حلاوة التصدق على الغير بالغير، فتصلهم أموالك وما يروك ولا تراهم، حاسبين خدامك هم المتصدقون عليهم!»

6. قلتُ أمرتني بالعزلة والاستغراق في وجهك، فهاهم الجيران يعكرون علي صفو الوحدة تعكيرا، يرقصون ويغنون ليل نهار، قال: «إن كان غناؤهم ورقصهم فرحا، فأي منطق يمنع الرقص قبيل الألم الوشيك، أما إن كان رقصهم وغناؤهم حزنا، فلعمري ذاك هو الحزن العظيم، فطوبى ثم طوبى للمثل هؤلاء!».

7. قلت اشتهيتُ وجهك، وشق الطريق إليك وسط الحيرة بين العقل والعين، فذا يناشدني وتيك تناديني، فأيعهما أتبع؟ قال: «إن تفصل بينهما ضللتَ، أنسيتَ أنهما زوجان، وأن للعين عقلا وللعقل عينا وأن عين العقل عين وعقل العين عين؟ أنسيتَ أن عقل العين عين وعين العقل عقل؟»


6. الجمعــــة:

1. سألته: انقسم الناسُ في شأنك واصطفوا مذاهب، فمنهم من يقول بيقين وجودك ومنهم من يقول بيقين عدمك، قال: «من يركن إلى يقين فقد ضل طريقي، لأني خارج الشك واليقين أقيم، من قال بيقين وجودي فقد أخطأ ومن قال بقين عدمي فقد أخطأ، ومن يقل بيقينهما فذا محظور عنه.»

2. سألته: بين لا ونعم اعتلى الناس منابر، بعضهم يقول: نعم، وبعضهم يقول لا، فأي الفريقين أتبع؟ قال: «اتبعهما معا دون أن تكون تابعا لأي منهما»، قلت: وما السبيل إلى ذلك؟ قال: «أن تقول: أؤيد كل ما قلتم وأرفضه، وما قلتم لا يهمني على الإطلاق! أنا معكم، وضدكم، وأمركم لا يهمني.»

3. سألته: أما يعفيني قول أمركم لا يهمني من قول أنا معكم وضدكم؟ قال: «لا، إن قلتَ أمركم لا يهمني، فقد رفع عنك الائتلاف والاختلاف.»

4. سألته: أما يعفيني قول: أنا معكم وضدكم من قول أمركم لا يهمني؟ قال: «إن لم تقل أمركم لا يهمني، فقد يمضون وهم لا يعرفون ما في سريرتك، قد ينصرفون وهم لا يعرفون أدونتَ لهم محضر جريمة أم رفعتَ لهم عَلم نَصر.»

5. سألته: ما الخمر والعشب؟ قال: «تجويز لا ما يجوز: الحياة داخل المجتمع.»

6. سألته: لماذا منعتَ عني الخمر والعشب وهما زاد أقصر السبل إليك؟ قال: «لأنهما يحرفان عن رسوم الطبيعة. إن من يدمن العشب كمن يعمد إلى قناة ويعرج مصبها من جهة لأخرى. الصاحي تصب قناة عقله في واد والسكران في واد.»

7. قال: «إن ابتعدت عني احترقت بظلمتي وإن اقتربت مني احترقت بنوري. »

7. السبــــت:

1. حدثت عنه، حدث عنها.

2. حدثت عنه قالت: «هو الدائرة المفتوحة، التي لا محيط لها والنقطة المسدودة التي لا مساحة لها؛ هو الدائرة المفتوحة التي لا يحيط بها محيط ولا تحيط بمحيط، فمن أين لها أن تحيط بنقطة أو تحيط بها نقطة؟!»

3. حدثت عنه قالت: «مَا علا صوتُ إجماع إلا وخفت صوتٌ مخالف له، وما صمتَ إجماعٌ إلا على صراخ مخالف له. الاختلاف تشويشٌ على الإجماع، إقلاقٌ له. والإجماع محو للتشويش، قمعٌ يحيده بإخراصه أو بإبرازه والتشهير به.»

4. سألته: كيف أبلغهم بوجودك؟ قال: أي فائدة يمكن أن يجنوها أو أجنيها من العلم بوجودي، وأنا عين وجودهم وهم عين وجودي؟ فنحن أعرف بنحن، أنت نحن ونحن أنت نحنانت ن ت ح ن ن ا نــــا.

5. حدثت عنه قالت: «لا أريد أن تصير معرفتك بي ويقينك بوجودي طبيعة فيك، ذاك يمتنع في ذاتي، لو ركبتك على هذا النحو لكانت الشريعة تصدك عن سبل الطبيعة، ولكنت أدعوك، بشريعتي إلى نزع هرمون الإيمان منك وتعويضه بهرمون الكفر!، لو كنتُ ركبتك على هذا النحو لما كان لوجود الكلام الذي أوجهه إليك الآن مبرر ولا معنى، لكنتُ أهذي، وأنا منزه عن الهذيان. »

6. خافَ عليَّ، حسبته سيقتلني.

7. سألته: ما القناعة؟ قال: «أن تبلغ النفس مبلغا تكتفي فيه بوحشتها، وتتخذ من تقلب الأحوال عليها مأدبات لها.»

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 http://www.middle-east-online.com/?id=261035













 http://middle-east-online.com/?id=260883

Sample Video Widget